الخلل في "الباروميتر" يا جلالة الملك..!
نتفق مع الملك في أن هنالك صراعاً بين قوى التطرف والاعتدال في مجتمعاتنا العربية، ونتفق مع جلالته في ضرورة العمل على تعزيز إجماعنا الوطني والالتفاف حول أولوياتنا في سبيل تمتين وحدتنا الوطنية كضمانة وحيدة لمواجهة كافة التحديات.. ولكن ألا يحق لنا أن نسأل: ما السبيل إلى ذلك..؟!
المجتمع الأردني يمرّ في مرحلة مفصلية خطيرة للغاية، ولا نجد أن أركان الدولة ورجالاتها يُحرّكون ساكناً أو يرتقون إلى مستوى التحدّي، فالأردنيون يعيشون أوضاعاً حرجة أبرز عناوينها البؤس والقلق والقهر والنزق، فكيف يمكن لمجتمع أن يكون على قلب رجل واحد وهو يعيش حالة ضياع عميقة ناتجة عن غياب الرؤية الطامحة للمصلحة العليا للدولة، والسبب ناجم عن جفاف في فهم فلسفة الدولة وفكرها، ما جعل زمرة مجهولة الانتماء والهوية تتولّى الكثير من زمام الدولة، وتعيث في الوطن تغييراً في غير محله وفي كل شأن من شؤونه..!
جلالة الملك: منْ منّا نحن الأردنيين لا يحب وطنه، لكننا اليوم على مفترق طرق من المحبة، والسبب أن مشاعر الحب والكراهية تتغيّر في النفوس، بتغيّر الإرهاصات الروحية الضاغطة باتجاه معين، وإذْ كان ثمّة قدرة على تعزيز مشاعر المحبة الوطنية، فما ذلك إلاّ بدافع النشأة الأصيلة، أمّا دوافع الإنجاز والعدالة، فألف علامة تعجّب واستفهام ترتسم خلفها..!؟
قد لا يفهم الكثير من المسؤولين الكبار أن "باروميتر" المحبة والانتماء الوطني في حالة تذبذب قهرية، وقد أصيب هذا الجهاز الحسّاس بخلل لم يعد معه قادراً على قياس ضغط الانتماء والمحبة الوطنية، وعلى الدولة وأركانها أن تستنفر كل إمكاناتها لإصلاح هذا الخلل بأسرع وقت ممكن، لأن ما يُعوّل عليه وتُبنى على أساسه قرارات وسياسات وبرامج، وتُؤلّف بناءً عليه حكومات، لم يعد صالحاً لذلك..!
وباختصار شديد، ما لم يتم إصلاح "باروميتر" الانتماء الوطني، سيظل الحديث عن الأولويات والضمانات مجرد شعارات خالية من المضمون، وغير مؤثِّرة، أما أداة الإصلاح الحقيقية فتكمن في إتاحة العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص أمام الجميع تشريعاً وتطبيقاً، ولن يتحقق التماسك والوحدة الوطنية الحقيقية في المجتمع إلاّ إذا شعر أفراد المجتمع بالقوة والعزّة بانتمائهم لمجتمعهم وليس بامتلاكهم للنفو ذ والمال..