موسكو تجتاح الخليج العربي عبر البوابة البحرينية
تبدو أهمية زيارة ملك البحرين لروسيا من أنها توافق وتواكب التوجهات الملكية التي تسعى البحرين من خلالها تنويع شبكة تحالفاتها، وخاصة مع أقطاب العالم الجدد، وروسيا تحديداً، كما أنها تجيء في سياق عدد من التحركات التي قام بها مسؤولو الدولتين في الفترة الأخيرة لتعميق العلاقات الثنائية، حيث لوحظ أنها سبقتها عدة اتصالات وزيارات جرت منذ مطلع عام 2014، ما يؤكد رغبة البلدين في الوصول بعلاقاتهما إلى مستوى عال من التنسيق والتشاور. فزيارة حاكم البحرين الملك حمد عيسى آل خليفة لروسيا - التي تمت رغم توتر العلاقات بين واشنطن وموسكو- تخفي أمرين غير معلنين، هما قطع الطريق على أية مقترحات يمكن أن تتحرك في الفترة المقبلة لحلّ الأزمة بين السلطات البحرينية والمعارضة, وتوطيد علاقات "التسليح" البحرينية الروسية.فقبل شهرين، أعلن أناتولي إيسايكين - المدير العام لشركة (روس أوبورون إكسبورت) التي تدير الصادرات الروسية من الأسلحة، أن شركته وقعت عدة عقود كبرى مع دول في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بينهم البحرين.وفي حديث "إيسايكين" لوكالة أنباء (إيتار - تاس) قال إن روسيا ستورد مجمعات صاروخية مضادة للدبابات من طراز «كورنيت أيه إم» إلى البحرين.
وقال إيسايكين: «إن العقود الموقعة مع البحرين ليست كبيرة فحسب بل ومميزة - ولم يتم الإفصاح عن قيمة الصفقة في حينها- إذ أصبحت المنامة أول مشترٍ لمجمعات «كورنيت - أيه إم»، مشيراً إلى أن العقد مع البحرين هو أول صفقة أسلحة بين الدولتين منذ 15 عاماً، ويشمل بيع عدة أنواع من الأسلحة والمعدات الحربية، بما في ذلك أسلحة خفيفة ومدافع هاون، ومجمعات صاروخية مضادة للدبابات من طراز «كورنيت أيه»، وسيارات، وذخائر، ومعدات للتدريب.
و في 2010, وتحديداَ على هامش معرض البحرين الدولي للطيران الذي أقيم في المنامة, أبدت البحرين اهتماماً بشراء طائرات روسية, حيث قال "إيسايكين" إن روسيا تأمل بألا تعقد البحرين اتفاقيات توريد المعدات الحربية الروسية فحسب بل وتوقع اتفاقيات إنشاء مراكز صيانتها.وأضاف: "إننا نجري المحادثات مع وزارة الدفاع البحرينية منذ عام 1992, ويبدي شركاؤنا الاهتمام بمنظومات الأسلحة الروسية وقبل كل شيء الطائرات والأسلحة الخفيفة وبالدرجة الأولى بندقية كلاشينكوف الألية والمعدات الخاصة ومنظومات الحرب الإلكترونية".جاء ذلك بينما تعثرت اتصالات بين سلطات البحرين والمملكة العربية السعودية الشهر الماضي, من أجل شراء طائرات مقاتلة من نوع إف 16 لتزويد "سلاح الجو الملكي".
وأكدت مصادر أنّ اتصالات أجراها ضبّاط كبار من السلطات البحرينية مع وزير الخارجية السعودي، سعود الفيصل، ورئيس ديوان ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان بن عبد العزيز، في العاصمة الرياض، سعياَ لإتمام صفقة مشتريات طائرات للسلاح البحريني, إلا أن أنباء تحدثت عن تأجيل اجتماع كان مقرّراً بهذا الخصوص.
وتحظى القوات السعودية بحضور كبير في البحرين من خلال قوات درع الجزيرة، إضافة إلى المعدات العسكرية التي تقدّمها الرياض للأجهزة العسكرية البحرينية, وتحدثت مصادر إلى أن السعودية تعوِّل إلى النظام البحريني لإتمام بعض الصفقات الخاصة بالسعودية مع بعض البلدان الأجنبية، ومن ذلك الصفقات العسكرية التي أجراها ولي العهد البحريني سلمان حمد الخليفة في روسيا في الأشهر الأخيرة والتي أسفرت على توقيع اتفاقات دفاعية لم تخفِ جهات أمريكية امتعاضها منها في ظلّ الحظر الأمريكي على موسكو على خلفية الأزمة الأوكرانية.حيث عبرت واشنطن عن استيائها في أبريل الماضي من قرار البحرين -حليفتها في منطقة الخليج- بتوقيع اتفاق للتعاون في مجال الاستثمار مع روسيا في وقت تفرض فيه واشنطن وحكومات أوروبية عقوبات على موسكو بسبب أزمة أوكرانيا.
وقال مسؤول بوزارة الخارجية الأمريكية إنه مع استمرار روسيا في جهودها لزعزعة أوكرانيا ليس هذا هو الوقت المناسب لأي بلد للقيام بمعاملات تجارية كالمعتاد مع روسيا. ويقول مراقبون إن الهواجس الأميركية تتجاوز مجرّد التعاون البحريني الروسي، كما تتجاوز الظرف المتوتر بسبب قضية أوكرانيا، إلى مخاوف أعمّ من توجّه لدى حلفائها الخليجيين نحو توسيع تحالفاتهم وتنويع شراكاتهم في كل المجالات وخصوصاً العسكرية والاقتصادية لتشمل قوى عالمية أخرى. وهو خيار بدأ يتجسّد عمليا في توجه بلدان خليجية نحو روسيا والهند والصين وغيرها من القوى الصاعدة.
وتأتي الاستدارة البحرينية نحو روسيا التحاقاً بالاستدارة التي قامت بها السعودية في وقت سابق من العام الجاري، حيث التقى ولي العهد السعودي، في موسكو بكبار المسؤولين الروس، وأبرم اتفاقات عسكرية واقتصادية، وتحدثت أوساط سياسية وقتها بأن السعودية كانت تخطو خطوة "جريئة" في إطار إظهار حنقها من الولايات المتحدة التي "فتحت صفحة جديدة" من العلاقات مع طهران من خلال التفاوض المباشر على البرنامج النووي الإيراني.و مع ذلك، فإن توجّه المحور السعودي والبحريني إلى روسيا، وتحريك سياسة "الإغراء" عبر المال النفطي والعلاقات التجارية والعسكرية, يُراد منه ضمان موقف دوليّ داعم لسياستهم في الخليج والمنطقة، وسدّ الطرق أمام أية محاولات لتمرير خيارات أو مبادرات لا تُرضي ملوك السعودية والبحرين.
فسياسة "الالتحاق بالشقيقة الكبرى" –السعودية- تدفع سلطات البحرين إلى تعميق العلاقات بالروس، ومحاولة الحديث الإعلامي عن صلات استراتيجية معهم، وذلك "نكاية" بالتقاطع الأمريكي في المنطقة.وأكد محللون بأن الأمريكيين باتوا جادّين في إعادة رسم خارطة المنطقة، وأن ذلك يتم من خلال غطاء ما يسمى بـ"التحالف ضد الإرهاب"، حيث يجري الحديث عن اندفاعة أمريكية "مدروسة" لتفريغ المنطقة من محتواها الاستراتيجي تدريجياً، والبدء في تموضعات جديدة تشمل الدول الخليجية، وهي الدول التي تُسارع بدورها للإيجاد مناطق نفوذ جديدة من الممكن أن تمثّل بالنسبة لها مراكب إنقاذ حالما يأتي الطوفان.
ويبدو أن هذه الخطوات أثارت فزع الولايات المتحدة التي يتوقّع أن تلجأ إلى حملة الضغط المعتادة على البحرين بإستخدام الملف التقليدي“حقوق الإنسان”، مستغلة موجة الاضطرابات التي تشهدها المملكة من حين لآخر على خلفية منازع طائفية تساهم إيران في تأجيجها.ويؤكد مراقبون أن الولايات المتحدة ليست بعيدة عن التلاعب بالورقة الطائفية في البحرين، عبر تصنيف الاضطرابات المثارة على خلفيات طائفية بإعتبارها "مطالب سياسية مشروعة".