المرحلة الأسوأ في تاريخنا!

تم نشره الإثنين 27 تشرين الأوّل / أكتوبر 2014 01:23 صباحاً
المرحلة الأسوأ في تاريخنا!
ماجد توبة

لن تجد في التاريخ المعاصر للأمة العربية، أسوأ من هذه المرحلة التي انقلب فيها ربيعها إلى بحور من الدم والقتل والتهجير والتقسيم، كل ذلك مغلف بحالة انقسام شعبية تتعمق يوما بعد يوم، على أسس دينية وطائفية وقبلية وأيديولوجية وسياسية.
من ليبيا غربا، مرورا بمصر وفلسطين وسورية والعراق واليمن، تشتعل بلاد العرب بحروب "داحس والغبراء"، ومعارك القتل على الهوية والطائفة والانتماء القبلي. ويُستحضر التاريخ بفتنه وخلافاته وأحقاده، وتُفرغ مصانع السلاح الكبرى إنتاجها ورصاصها في هذه المنطقة المنكوبة. فيما يتجلى غبار هذه الحروب والأحقاد عبر الأثير والشبكة العنكبوتية والإعلام بأجلى الصور.
هي مرحلة أسوأ من مرحلة الاحتلال والاستعمار المباشر للبلاد العربية؛ فالقتل يومها لم يكن على الهوية والطائفة، ولم يتمكن الاستعمار بكل جبروته وعدائه، واحتلاله الأرض، من ضرب روح الأمة، ولا تفتيت شعوبها وتقسيمها إلى شيع وفرق متحاربة. في فترة الاستعمار وثورات التحرر العربية، تشكلت نخب ثورية وإصلاحية ووطنية جامعة، قادت مجتمعاتها وشعوبها في مقاومة المحتل، وشكلت مراجع وطنية وإصلاحية منيرة لشعوبها، مكنتها من قيادتها إلى النصر ودحر الاستعمار.
ما الذي اختلف اليوم، في الحال، الذي وصلته ثورات الربيع العربي، وانزلاق شعوب الدول العربية المشتعلة، إلى أتون الدم والقتل والانهيار الشامل للدولة والمجتمع؟ بل وقبل ذلك، ما الذي حرف ربيع العرب إلى العسكرة والاقتتال والعنف المسلح، وتفريخ لجماعات متطرفة ومتحجرة، بعد أن كان حقق بسلميته نموذجا مهما في تونس، وفي مصر إلى حد ما؟
تتحمل الأنظمة والحكومات العربية، التي لجأت للقمع والسلاح والإقصاء، حفاظا على كراسيها وفسادها ومصالحها، مسؤولية كبيرة في الوصول إلى نتيجة اليوم. لكنها ليست وحدها المجرم الذي قامر بثورات الشعوب، واستقرار البلاد، ووحدتها ودماء شعوبها ومستقبلها، بل تكالبت الأسباب والأبعاد والفاعلون.
السياسيون العرب، بمن فيها حكومات وأنظمة، وبمن فيهم من موالاة ومعارضة ونخب، ممن قامروا بمصائر شعوبهم وثوراتهم، بالانسياق وراء خيارات العسكرة والتسيلح للثورات والانتفاضات الشعبية، والرهان على لعبة الأجندات الدولية والإقليمية والعربية، للوصول إلى السلطة، بديلا للأنظمة المتعفنة والدكتاتورية، من دون أن تمتلك أي مشروع سياسي ووطني حقيقي، أو انطلقت فقط لمجرد الانخراط في أجندات وحسابات إقليمية ودولية، ولتذهب الأوطان وشعوبها إلى الهاوية.
ولا يغيب عن معمعان هذا التدمير والانهيار لدول عربية، رجال دين وطوائف، ومن يسمون أنفسهم بـ"مفكرين وإصلاحيين"، ممن يشاركون عن جهل أو ضحالة في الفكر والوطنية، أو انغماسا مصلحيا، في أجندات السياسيين والحكومات، فيما يوظف الإعلام ومنابر صنع الرأي العام ضمن هذه اللعبة القذرة، تقسيما للمقسم، وتفتيتا للمفتت، وإذكاء لنار الحقد والكراهية بين مكونات وطوائف هذه الشعوب.
ربما الأخطر اليوم، في هذه المرحلة الأسوأ من تاريخ الأمة العربية الحديث، هو انغلاق الأفق والأمل بانتهاء قريب لهذه الحال، وتوقف سريع لشلالات الدماء المنهمرة في غير خاصرة عربية، فطبول الحرب والحسم العسكري للصراع على السلطة ما تزال تقرع من كل حدب وصوب، والساحة العربية، من المحيط إلى الخليج، باتت مفتوحة لكل الأجندات والصراعات الدولية والإقليمية.
لم يعد هناك لا عقلاء ولا علماء ولا إصلاحيون ليقرعوا الجرس، وليتصدوا لما أفسده الساسة ونابشو الأحقاد التاريخية وفتن الطوائف. لم تعد هناك رموز ومرجعيات قومية ووطنية وفكرية، تتصدر وتناضل لرؤية وطنية جامعة، تكنس كل الغثاء الموجود حاليا.
لن نحلم اليوم بنموذج "غاندي" ولا "مانديلا" لانقاذنا مما غرقنا فيه. على الأقل دعونا نحلم ونطالب بتعميم النموذج التونسي، على باقي الساحات العربية المشتعلة، نموذج "الغنوشي والمرزوقي" التوافقي، وليتوقف نهر الدم الجاري، وضياع الأوطان.

(الغد 2014-10-27)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات