تقرير : هاجس الخوف من " التسمم " يسيطر على الاردنيين
المدينة نيوز:- الخوف بات هاجسا يقلق الثلاثينية ليالي غازي التي اعتاد أبناؤها على تناول الوجبات الجاهزة، لا سيما يوم الخميس في نهاية الأسبوع، جراء حوادث التسمم التي ظهرت مؤخرا في العديد من المطاعم الكبيرة.
"عدم وجود عقوبات صارمة وإجراءات رادعة فعلية"، تقول ليالي، هو ما جعلها تفكر في حماية أبنائها من خطر الإصابة بالتسمم والتلوث الغذائي التي أصبح كابوسا ينغص نومها، من خلال منعهم من تناول أي وجبة خارج المنزل.
غير أن ما يزيد قلق الثلاثينية هبة محمد هو كيفية إقناع طفلها الصغير بمقاطعة تناول الأكل في المطاعم كافة بغض النظر عن مدى نظافتها رغبة منها في إيجاد حل جذري لهذه "المصيبة"، على حد وصفها.
"لا تنام بين القبور ولا تحلم أحلاما مزعجة"، هكذا برر الخمسيني علاء الدبوبي رفضه التام لاصطحاب عائلته لتناول الطعام في المطاعم حتى في ليالي العيد رغم رغبة أبنائه الشديدة في ذلك.
يقول الدبوبي "لم نعد نثق في أي مكان حتى أكل المستشفيات"، لافتا إلى أن "تقصير" الجهات المختصة في المتابعة الحقيقية للمطابخ في بعض المطاعم أو حتى "طبطبة" أصحاب بعض المطاعم على العيوب الموجودة في مطاعمها "لا يعني أن نستهين نحن بأبنائنا وأرواحهم وأرواحنا".
ويرى كثيرون أن المطاعم لم تعد في الفترة الأخيرة المكان الذي تقصده العائلة لتناول وجبة طعام لذيذة وكسر الروتين مع أفراد الأسرة، بل أصبحت "قنبلة موقوتة" وفق قول البعض الذين باتوا يخشون من التوعك أو التعرض للتسمم والهلاك.
فالأربعينية أم مؤيد تجد أن بإمكان الأم تجاوز هذه المشكلة وتعويض رغبة أبنائها في تناول أطعمة تماثل وجبات المطاعم في النكهة والشكل، بل وتفوقها بالنكهة والنظافة.
وتبينـ بحسب الغد - ومن خلال تجربتها الشخصية، أن ما يلفت انتباه الكبار والصغار في تناول أكل المطاعم هو الشكل الجذاب والنكهة المميزة التي تعد بها الوجبات، مشيرة إلى أن الأغلب لا يخطر بباله التفكير في نوع اللحمة أو الدجاج المستخدم في الوجبة وإن كان مبردا بالطريقة الصحيحة أم لا.
وتقول "لا يعقل أن يكون في كل مطعم مراقب صحة ونظافة"، لافتة إلى أن الحرص على تناول أكل البيت بدلا من أكل المطعم "فيه أمان في الدرجة الأولى وضمان لتناول طعام صحي ومغذ".
لم تعد الكثير من المطاعم "تأبه للنظافة"، هكذا عبر الستيني عبدالحميد صلاح، لاسيما وأنه في كل يوم يسمع عن تسمم يحصل للأطفال والكبار والنساء في مطاعم "لا تراعي شروط النظافة ولا تراعي الاهتمام بصحة الناس ونظافة الأكل والشراب".
"هذه المطاعم لا تأبه بالعنصر البشري"، وفق صلاح، الذي يقول إن بعض المطاعم تتكدس لديهم الأطعمة ويعيدونها للزبون مرة أخرى، بل إن ما يؤسفه أن يسمع عبر الإعلام عن مطاعم "تستخدم دجاجا منتهي الصلاحية ويقدم للزبون، وهو يستعمل في بعض مطاعم الشاورما التي تم إغلاقها في السابق". وما يزيد الطين بلة هو "أن يكون صاحب المطعم على علم بأن هذا الدجاج منتهي الصلاحية وأنه إذا قدمه للزبون سوف يكون سبباً في مرضه أو وفاته!".
في حين تلفت الأربعينية بدرية علوان، ومن خلال تجربتها، إلى أن الكثير من المطاعم "باتت بؤرا للأمراض"، لافتة إلى أن المشكلة الحقيقية تكمن "عند كثير من الناس الذين مايزالون يرتادون المطاعم التي حدث فيها تسمم".
ومن جهتها، تشير التربوية ليلى أبودريع إلى دور الأهل في توعية أبنائهم وتحذيرهم من خطر ارتياد المطاعم، لاسيما بعد ظهور حوادث تسمم متكررة حتى في أكبر المطاعم وأشهرها أودت بحياة البعض وسممت الكثيرين. وتقول أبو دريع "كثيرة هي الأقلام التي سطرت حالات من التسمم بكم هائل من الناس وكثيراً ما يحذر الأطباء من أغذية المطاعم"، منوهة إلى أنه لابد للأهل في هذه الحالة التدخل ومنع أبنائهم من تناول تلك السموم. وتستهجن أبودريع اتجاه العديد من الناس إلى المطاعم التجارية والابتعاد عن طبخ الأمهات واجتهادهن فيه؛ حيث أصبحت هذه المطاعم التجارية "تحمل الكثير من الأمراض والأوبئة".
وتلفت إلى أن الإنسان بطبيعته يبحث دائما عن الأضمن والأفضل، معتقدا أن هذا الأمر لا يمكن إيجاده في المطاعم التي تعاني من مشاكل في مسألة النظافة، وتعقيم الأدوات المستخدمة في أدوات الطبخ، إلى جانب بعض الأمراض الناتجة عن ترك الطعام أكثر من المدة المحددة له.
وتبين أبو دريع أن ما حصل مؤخرا من حوادث مؤسفة بحق العديد من المواطنين لا يعني أن "جميع المطاعم سيئة"، لافتة إلى وجود العديد من المطاعم التي بنت سمعتها من خلال تميزها في العمل، ولكن رغم ذلك نجد للأسف أن الكثير من المطاعم ما هي إلا "عنوان لتلوث البيئة وللمرض ولا توجد فيها أي عناية صحية ولا جودة في الطعام، حتى منظر المطعم نفسه لا يسر الخاطر ولا يفتح النفس للأكل". وتؤكد أبو دريع أن مسؤولية محاسبة هذه المطاعم ومراقبتها مشتركة، متابعة أن على الجهات المختصة المتابعة والتفتيش وإيقاع العقوبات الرادعة على المخالفين، وكذلك المواطن والمقيم كل له دور في تحري الأماكن النظيفة والأطعمة الجيدة، وعدم المغامرة بصحة أسرهم وأطفالهم باسم التغيير وأكل المطاعم، وهذا ما يجب أن يتنبه إليه الناس.
بدورها، تشير اختصاصية التغذية ربى العباسي، إلى أن النظافة والسلامة الغذائية هما الركنان الأساسيان اللذان يجب مراعاتهما عند تناول وجبة غذائية، وهو ما لا يمكن تحقيقه إلا داخل المنزل.
وتبين أن الوجبات الغذائية التي تعدها ربة المنزل وتقدمها لعائلتها تمتاز بقيمتها الغذائية العالية وتنوعها، إلى جانب حفاظها على العناصر الغذائية التي تحويها تلك الأصناف الغذائية، خصوصا وأن الوجبة في المنزل تحضر وتقدم في الوقت نفسه، في حين تتعرض الوجبات الغذائية للتحضير المسبق.وتشدد العباسي على أن التحضير المسبق للوجبات الغذائية في المطاعم يجعلها عرضة للفساد والتلف، وذلك حسب نظافة المكان الذي تخزن فيه ودرجة الحرارة، ونوعية المواد التي تستخدم في مطبخ المطاعم كالزيوت المشبعة بالدهون غير النقية والخضراوات غير الطازجة.
وتلفت العباسي إلى ضرورة تعامل الأسر وأولياء الأمور والجهات الرقابية مع الأكل بجدية تامة، لافتة إلى أن تعرضها للتلف سريع جدا، ما يجعل حياة الكثير من الناس عرضة للخطر.
وتبدأ "مكافحة هذه المطاعم والتصدي لها"، وفق العباسي، من خلال العودة إلى الأكل البيتي وتحضير الوجبات الغذائية المتنوعة والتي تلبي أذواق أفراد العائلة وتعوضهم عن تناول الطعام في المطاعم. وتقول إن على الأم تحضير الوجبات التي يتردد أبناؤها على تناولها في الخارج كالبرغر داخل المنزل بطريقة صحية ومضمونة وإدخال الخضراوات الطازجة عليها وتحفيز الأطفال على تناولها. وتضيف العباسي أن تناول السلطات المتنوعة التي يميل العديد من الناس إلى تناولها في المنزل، والشوربات والعصائر الطبيعية والبطاطا المقلية والودجز، يكسر من روتين الأطعمة التقليدية ويشجع على تناول الطعام داخل المنزل، خصوصا وأنها وجبات صحية وذات جودة عالية ومضمونة.
وفي الحقل الطبي، يؤكد اختصاصي الطب العام الدكتور مخلص مزاهرة، أن تجنب التسمم الغذائي يكون بطريقة سهلة للغاية، وهي تجنب الأكل خارج المنزل قدر الإمكان، فالوجبات السريعة في المطاعم، بغض النظر عن مستوى المكان ونظافته، تحتوي على جراثيم وبكتيريا، وخصوصاً الشاورما والفلافل. ويردف مزاهرة "أن المايونيز الذي يستخدم في السندويشات"، يحتوي على كميات كبيرة من البكتيريا لبقائه خارجاً، إضافة إلى الخضراوات التي تستخدم في السلطات "فقد لا تغسل جيداً"، خصوصاً أن الإقبال على المطاعم يزداد صيفا، وفي حال الضغط قد يتم التقليل من الاهتمام بالنظافة. ويشجع مزاهرة على تناول الوجبات الغذائية التي تحضرها ربة المنزل والتي تمتاز بقيمتها الغذائية ونظافتها، موصيا بغسل الخضراوات جيدا والاحتفاظ بالطعام في الثلاجة، والحرص على النظافة.