الأردن يغضب!

لا نعلم ما كان يدور خلف الكواليس، لكنّ لهجة المسؤولين الأردنيين تجاه إسرائيل كانت مختلفة تماما في الأيام الأخيرة، وتنبئ بأن الغضب مما يجري في القدس بلغ مرتبة متقدمة. إغلاق المسجد الأقصى الذي وصفته السلطة الفلسطينية بمثابة "إعلان حرب" على الفلسطينيين، أخرج كبار المسؤولين في الدولة الأردنية عن طورهم.
تصريحات الوزراء حيال إسرائيل التي اتسمت على الدوام بالحذر والكياسة، تبدلت على نحو مفاجئ. حتى ملامح وجوههم وهم يتحدثون تغيرت؛ أصبحت أكثر صرامة وعبوسا.
وزير الإعلام والناطق باسم الحكومة د. محمد المومني، تكاد لا تعرفه وهو يهدد ويتوعد إسرائيل بكل الخيارات، بما فيها وقف التنسيق الأمني بين الجانبين. يا إلهي، من كان يتجرأ من الوزراء على الحديث بهذا الموضوع الحساس، لو لم يكن هناك ضوء أخضر بتصعيد اللهجة! وزير الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية، المعني مباشرة بشؤون المسجد الأقصى، رفع من وتيرة التهديد لإسرائيل، وقال كلاما غير معهود.
من بعيد، جاء صوت وزير الخارجية ناصر جودة، محذرا من العواقب. كان في موسكو، واستغل اجتماعه مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، ليبعث برسالة شديدة اللهجة لإسرائيل. وزير الداخلية حسين المجالي، لم تسمح له الظروف ليقول كلمته؛ فقد كان في أميركا إلى جانب مفوض الشرطة الإسرائيلي، لتسلم جائزة تقديرا لجهوده في تعزيز التعاون الثلاثي مع أجهزة الأمن الفلسطينية والإسرائيلية!
الأردن، وبطلب من السلطة الفلسطينية، دعا إلى جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي، لمناقشة الانتهاكات الإسرائيلية في القدس واستمرار بناء المستوطنات. جرى نقاش طويل هناك، لكن لم يصدر حتى ولو بيان رئاسي يدين إسرائيل.
في ساعة متأخرة من ليلة أول من أمس، أعلنت الحكومة أن جهودها أثمرت بإجبار إسرائيل على التراجع عن قرارها بإغلاق "الأقصى" في وجه المصلين. لم يعترف أحد بهذه الجهود؛ حتى السلطة الفلسطينية لم تأتِ على ذكر دور الأردن في تنفيس الاحتقان في القدس. على العكس من ذلك، الأوساط الفلسطينية تسعى إلى تحويل المواجهات الدائرة هناك إلى انتفاضة فلسطينية ثالثة.
الإرهاب الصهيوني في القدس وعموم فلسطين، لم يعد يترك مجالا للفلسطينيين سوى الانتفاضة الشعبية. وإذا ما تصاعد الفعل الفلسطيني إلى هكذا مستوى، فإن قطعان المستوطنين، ومعهم التيار العريض من اليمين الإسرائيلي، سيرتكبون مزيدا من الأفعال الشريرة في القدس تحديدا.
ماذا بوسع الأردن أن يفعل؟
إسرائيل في طريقها لتغيير قواعد اللعبة. لم يعد هناك من يستطيع التأثير عليها. علاقة حكومتها مع الإدارة الأميركية في أسوأ حالاتها؛ الرئيس باراك أوباما لا يطيق رؤية نتنياهو، ووزير الخارجية جون كيري شخص منبوذ في تل أبيب، والحملات الإعلامية بين وزير دفاع إسرائيل والبيت الأبيض لا تتوقف.
العالم العربي من حولنا غارق في مشاكله الداخلية، ولم نسمع كلمة واحدة من عاصمة عربية عما يجري في القدس.
الأردن وحده بخيارات دبلوماسية محدودة، لا يملك القدرة على التصرف فيها، رغم ما نسمع من تهديد ووعيد. سحب السفير من تل أبيب، وطرد السفير الإسرائيلي من عمان، وغيرها من الإجراءات الدبلوماسية، لا تعني شيئا لغلاة المتطرفين في إسرائيل. والإقدام عليها من جانب الأردن لن يغير في مخططاتهم.
الأردن في علاقته مع إسرائيل مثل بالع السكين؛ فلا هو قادر على بلعها، ولا على إخراجها من صدره.

(الغد 2014-11-01)