نعم السنة مهمشون
في حسابات السياسة، وتداعيات الأحداث الجسام، وكنتيجة طبيعية للتحولات العظيمة في التاريخ، يمكن القول، إن السنة في العراق مهمشون بالفعل منذ العام 2003 وحتى اللحظة. فليس من العدل القول ، إن الشيعة كانوا حكام العراق الفعليين طوال العهدين الملكي والجمهوري على الأقل دون التوغل في عمق تاريخ تأسيس بغداد وسيطرة العباسيين لقرون عدة على مقاليد حكم الأمة الإسلامية ومعها العالم المعروف الذي فتحت جيوش العباسيين أجزاء كبيرة منه في فتوحات ماتزال آثارها قائمة، فالعهد الملكي الذي بدأ العام 1920 بني على أساس حكم الدولة المبتناة على ركيزتي الدين والسياسة، ودينيا كان السنة هم الحاكمين، وسياسيا كانت سلطة الملك متماهية مع الجميع لكنها تعترف بالزعامة السنية من أيام عبد الرحمن النقيب حتى سقوط الملكية العام 1958، ليجئ نظام حكم جمهوري لم يخرج عن سلطة السنة حتى العام 2003، وصعود الشيعة الذي يرى بعض المراقبين إنه صعود شكلي وليس حقيقيا. وهو ليس تنظيرا مؤكدا فالسنة تعودوا الحكم المطلق للدولة ومجرد صعود الشيعة بعد 2003 هو تهميش لمن تعّود السلطة ولن يستوعب التغيير والمشاركة فهو رضع السلطة وتمكن منها وتعودها، وكل مايمكن أن يمنح للسنة من مناصب وإمتيازات هي ليست حقيقية بنظرهم، فرئيس الوزراء من الشيعة ورئيس الجمهورية من الكورد ومعظم وزارات الدولة الفاعلة بيد الشيعة حتى لو كان وزيرها سنيا، وقرار السلم والحرب بيدهم.
تعّود السنة وتعودنا معهم على بكائية التهميش من قبل الشيعة طوال أحد عشر عاما من التغيير، ونحن في خضم معاناة التفكير والمحاسبة والسجال لنخرج بمقاربة موضوعية لنوع التهميش، ومايمكن أن يقدم للسنة لكي يغادروا دائرة الشعور بالتهميش، لكن حقيقة أخرى تكمن في رمال الصحراء يحاول الساسة السنة وزعماء العشائر والفاعلين تغييبها، وهي إن السنة كانوا ضحية لوزرائهم وسياسييهم ونوابهم الفاسدين والإنتهازيين، الذين لايفكرون بمواطني الأنبار وصلاح الدين والموصل وفق معطيات الواقع الراهن، بل بمقتضى المصالح الضيقة، بينما يتيحون لأنفسهم النواح الكاذب وذرف دموع التماسيح عند الحضور في مواجهة كاميرا التلفزيون لاأكثر، أو أثناء المساجلات الكمالية، حين يتحول الشيعة بنظر النائب السابق طه اللهيبي الى هنود، ويتحول السنة الى بائعي نساء في سوق النخاسين، أو مبايعين لخليفة مفترض ومجاهدين وهميين بنظر نائب يساجله على شاشة تلفزيون، وتظهر السجالات السياسية بين نواب ووزراء وقادة سنة حجم الفساد الذي مورس من قبل بعض القيادات السنية في موضوع النازحين والأموال التي صرفت لهم والمساعدات التي أرسلت للمناطق المحاصرة من داعش، حيث تسرق الأموال والمساعدات ويذهب السياسيون الى عمان وعواصم أخرى، بينما يترك السنة لينفرد بهم ذئب داعش ويفترس ضعافهم كما في حال (الضلوعية والعلم وهيت وحديثة ومناطق من الأنبار) أستبيحت من ادعياء حماية السنة بمساعدة بعض العشائر ليتم قتل المئات من مختلف المكونات العشائرية التي بدأت بإلقاء اللوم في جرائم القتل ليس على داعش لوحده، على عشائر تشترك معها في الجغرافيا والدين والقومية والتاريخ.
على السنة أن يحاسبوا سياسييهم الفاسدين الذين أوصلوهم الى هذه الحال المحزنة والذين سرقوا الأموال، أو الذين تنازلوا عن حقوقهم مقابل بعض الدولارات،والذين يسرقون مساعدات الحكومة لهم، وكذلك شيوخ العشائر الذين تقاتلوا على الأموال التي قدمت لهم ليحاربوا بعض. ليس سيئا كثيرا أن يهمشك من كان ينتظر الفرصة لينقض عليك بعد قرون من التهميش لكن المفجع أن يهمشك ويقتلك ويذبحك من يدعي إنه يمثلك ويحميك !