هذه هي الطريق..

بالرغم من أنّ الأردن نجح أمنياً بعد تفجيرات الفنادق، العام 2005؛ بمنع أي تفجيرات من المستوى نفسه، أو حتى أقل، كما تمكّن أمنياً من إفشال مخططات لا تقل خطورة عما وقع حينها، من قبيل استهداف منشآت حيوية وكبيرة؛ إلاّ أنّ كل ما قيل بعد ذلك عن جهود ثقافية واستراتيجيات، وما عُقد من مؤتمرات وندوات، وما ألقي من أشعار وهجاء للإرهاب والتطرف والعنف.. كل ذلك ذهب هباءً منثوراً مع ما أُنفق من أموال طائلة عليه، وما بُذل لأجله من جهود، إذ لم يُعط أي مردودٍ يذكر!
لماذا فشلنا؟! هذا هو السؤال الذي من المفترض أن يطرحه المسؤولون اليوم، وهم يرون انتشار وصعود التيار الإسلامي الراديكالي الغاضب، ورأس الحربة فيه النسخة الداعشية، في المجتمع. إذ نرى آلافاً من أبنائنا يجدون في تنظيمات هذا التيار حضناً دافئاً لهم، بديلاً من أوطانهم وأمهاتهم! وهم يُقتلون واحداً تلو الآخر في بلدان عربية، ويحاكمون بالمئات في الأردن بتهم الانتماء لهذه التنظيمات والجماعات أو حتى محاولة الالتحاق بها!
الخبر السيئ يا رفاق، أنّنا نكرر اليوم الأخطاء والخطايا نفسها التي ارتكبناها بعد تلك التفجيرات. فبدلاً من فهم الأسباب والشروط، والتعامل الموضوعي معها، وتفكيك الظاهرة ودراستها، نجد المؤتمرات والندوات والتغطيات الإعلامية السطحية الساذجة، ولجانا رسمية تشكل وراء لجان بعنوان واحد "مواجهة الإرهاب والتطرف"، ثم النتيجة: لا شيء! لماذا؟!
لماذا فشلنا؟! باختصار، لأنّنا قفزنا عن الشروط الموضوعية الواقعية الحقيقية التي تنتج التطرف والإرهاب والتفكير في العنف. وهي تتمثل، أولاً وقبل كل شيء، في عدم الشعور بجدوى الإصلاح السياسي، والفجوة بين المجتمع والدولة. فطالما أنّ اللعبة السياسية لا تضم بين جنباتها وحدودها اللاعبين السياسيين من الألوان المختلفة، وطالما أنّه لا يوجد توافق مجتمعي عميق حول الوصفة السياسية المطلوبة لمواجهة التحديات والأخطار، فإنّ الشباب سيبحثون عن هوية أخرى، ومساحة أو ساحة ثانية وثالثة، للتعبير عن أنفسهم أو مشاعرهم، أو تفريغ ما يملكونه من طاقات مضغوطة في داخلهم.
طالما أنّ مؤسسات الدولة الثقافية والفكرية والرياضية والإعلامية معطّلة، فإنّ هناك من هو على أتمّ الاستعداد لملء هذا الفراغ؛ وطالما أنّ سياسات الدولة، خلال الأعوام الماضية، قد ساهمت بنفسها في تحطيم سلطة القانون والشعور بالعدالة والمساواة في الفرص وقيمة المواطنة وكرامة المواطن، فإنّ ذلك هو مفتاح رئيس لفهم التمرّد بأيّ لون أو صيغة كان، سواء عبر التطرف أو الفساد المالي أو حتى الأخلاقي!
باختصار، لا نريد أن نعزف السيمفونيات نفسها في الأيام المقبلة؛ فالمستوى الثقافي والمعرفي للشعب أكبر من "البروباغاندا" الرسمية السطحية. نحن بحاجة قبل الشيطنة والإدانة، إلى الفهم والإدراك، لأنّ من تعجّ بهم السجون أو ساحات القتال في الخارج، هم شبابنا وأبناؤنا، وكثير منهم من الجامعات والمثقفين والمتعلمين؛ فهذا التيار لم يعد ينمو في الهامش، بل في قلب المجتمع!
الإصلاح الديمقراطي سياسياً، وحماية الطبقة الوسطى اجتماعياً، وحرية الحوار والنقاش العقلاني إعلامياً، والتنوير فقهياً وثقافياً؛ هي العناوين الحقيقية لحماية الجبهة الداخلية وتحصينها، ليس من التطرف فقط، بل من التمزّق والانكسار أمام التحديات الإقليمية والداخلية المختلفة.
مواجهة التطرف وحماية المجتمع تكون بسنّ قانون انتخاب محترم حضاري، يردّ الاعتبار لدور مجلس النواب، ويجسّر الثقة بين الدولة والمجتمع؛ كما تكون بقانون ضريبة دخل عادل يحمي الطبقة الوسطى، لا يقضي عليها؛ وبخلق شروط التنمية الاقتصادية في المحافظات؛ وبإعطاء التعليم أهمية قصوى، وتعزيز روح القراءة والمعرفة؛ وقبل هذا وبعده، ببناء صروح "الحاكمية الرشيدة"، فالعنف والتطرف والفوضى والصراعات الداخلية هي نتائج طبيعية لأزمات الدولة القطرية العربية!
الغد 2014-11-11