"الأحمر والميت".. لماذا تأخر اللقاء؟

في اللاوعي الأردني خوف دفين من شح المياه، يتبدى لنا مع كل موجة حر، وانحباس مطري، وموجة لجوء جديدة. فالأردن من الدول الخمس الأكثر فقرا في المياه على مستوى العالم، وربما هو أكثرها جميعا في تنامي الحاجة لها والطلب عليها.
الاعتماد شبه كلي على مياه الأمطار للري والزراعة والصناعة وتغذية المصادر الجوفية الشحيحة. ومعدلات الهطول في تراجع عاما بعد عام، فيما السكان يتزايدون بمعدلات لا يشهدها بلد في العالم.
في المتوسط، يبلغ مجموع الهطول المطري على البلاد تسعة مليارات متر مكعب سنويا، تستطيع سدودنا استيعاب ما يقارب 325 مليون متر مكعب منها، ويتبخر الباقي أو يتجه لتغذية المخزون الجوفي. وفي السنوات الأخيرة، لم تجمع سدودنا أكثر من 70 % من طاقتها الاستيعابية، ولم ينعم الأردنيون؛ زرّاعا ومستهلكين، بنصف حاجتهم منها.
في كل عام، يتراجع نصيب الفرد الأردني من المياه، ليصل إلى أقل من نصيب أي مواطن عربي، وأقل من ربع ما يتحصل عليه المواطنون في البلدان المجاورة. مع ذلك، يفتح الأردن حدوده لاستقدام مئات الآلاف من المهاجرين سنويا، من دون التفكير في كيفية تلبية احتياجاتهم المائية بمعزل عن الاقتطاع من نصيب الأردنيين منها.
منذ أعوام والحكومات تعد المواطنين بأنها ستجر مياه الديسي لتضع حدا لأزمات التزويد الخانقة التي شكا منها الناس لسنوات. واستمر الوعد وانتظر الناس حتى العام الماضي ليستقبلوا المياه المسحوبة، علّها تحل جزءا من المشكلة التي عانوا منها لسنوات. لكن ذلك لم يحصل كما تمنى الناس؛ فقد زاد سكان الأردن في المرحلة الواقعة بين الوعد والتنفيذ أكثر من مليون نسمة، بسبب هجرة الإخوة السوريين، مما زاد الطلب على المياه.
في تصريح لوزير المياه قبل أسابيع، جاء أن مشكلة المياه في الاردن ستبقى قائمة، بسبب أننا نوزع الكمية التي تكفي لثلاثة ملايين على عشرة ملايين نسمة. وفي مثل هذه الأوضاع، ومع توالي تدني مستويات هطول الأمطار ونضوب الكثير من المصادر الجوفية، فإننا أمامنا مشكلة مخيفة قد تداهمنا في أي وقت.
إن استمرار اعتمادنا على الدعوات والحلول القدرية، واتخاذ قرارات لا تصب في اتجاه الحفاظ على المياه وتطوير مصادرها، أو تجنب اتخاذ قرارات لحل هذه المشكلة، هي أمور مقلقة ومخيفة، خصوصا أننا نقول في كل لقاء إن المياه والطاقة هما أهم مستلزمات التنمية والاستثمار، ولا غنى عنهما، إلى جانب الإنسان والمال.
في دوائر البحث والاهتمام، يجري الحديث عن خطورة تأثير مخيم الزعتري على حوض المياه الواقع تحت مساحته. وإذا كان مثل هذا الحديث دقيقا، فإن أسلوب إدارتنا لمصادر مياهنا وحمايتها، يثير الكثير من التساؤلات.
منذ أكثر من عقدين ونحن نتحدث عن مشروع ربط البحر الميت بالبحر الأحمر؛ للتحلية والزراعة وتغذية البحر الميت الذي يفقد مترا من جسمه كل عام. وفي كل عام يجري الحديث عن الدراسات والمخططات، ولا نرى شيئا.
أظن أن علينا التحرك؛ فنخرج الدراسات من الأدراج، ونباشر العمل. فالناس يحتاجون إلى أمل مع الوعد، وإلى تبديد بعض مصادر الخوف التي تتزايد يوما بعد يوم.
المياه عنوان الاستقرار والحياة، وينبغي توفرها مهما كان ثمنها. والأردنيون بحاجة إلى مشروع ضخم، وهم مستعدون للمساهمة فيه، كما المصريون الذين قرروا حفر قناة أخرى في السويس، ليصلوا البحر الابيض المتوسط بالبحر الأحمر مرتين.
نتمنى أن نرى "الأحمر" يتسلل إلى البحر الذي مات ويكاد أن يموت مرة أخرى؛ علّه تُبعث فيه الحياة؛ فالأحمر يرتبط بالحياة وشرايينها.
الغد 2014-11-12