مزيد من التخفيض لأسعار المحروقات

قبل يومين، انقضى عامان على اتخاذ حكومة د. عبدالله النسور قرار تسعير المحروقات محلياً وفقاً للأسعار العالمية، مضافاً إليها ضرائب، والأرباح التي تذهب إلى شركة مصفاة البترول الأردنية. وبهذه المناسبة، ينبغي تذكر أن أسعار النفط قد انخفضت عالمياً منذ حزيران (يونيو) الماضي بنسبة قاربت 30 %، هابطة من مستوى أسعار كان قد وصل إلى 115 دولارا للبرميل.
كما هو معروف، يستورد الأردن نحو 97 % من احتياجاته النفطية من الخارج. ومن الطبيعي أن يكون ارتفاع أسعار النفط مصدر ضرر كبير للاقتصاد الوطني؛ إذ يرفع كلف الإنتاج على نحو تتأثر به مستويات معيشة المواطنين جميعاً، وذلك من حقيقة أن النفط سلعة ارتكازية تحرك أسعار السلع الأخرى والخدمات كافة؛ صعوداً وهبوطاً. وبالتالي، فإنه يجب على الجميع الاستثمار في هبوط الأسعار الحالي، من خلال خفض أثمان السلع وفقاً لآليات السوق، بدلاً من إبقاء الأسعار عند مستوياتها المرتفعة للحصول على مزيد من الأرباح.
في الجانب الذي يخص الحكومة التي شرعت في تطبيق قرار التسعير "المتغير" وفق الآليات التي رأتها مناسبة، فإنه يجب عليها الآن الالتزام بتخفيض أسعار المشتقات النفطية، وفقاً لمنحنى الأسعار في الأسواق العالمية، وأن لا تتحدث عن صندوق للتحوط أو تثبيت الأثمان عند مستوى سعري محدد. إذ سيكون من شأن عدم التزام الحكومة بالمعيار المعتمد من قبلها سابقاً، إضعاف ثقة المواطن بالتوجهات الحكومية، وانعكاس ذلك سلباً على الآلية نفسها في حال عاودت الأسعار الارتفاع، وهو الأمر الذي يخضع للأسواق العالمية وغير القابل للتحكم.
وقد يرى البعض أن خفض الأسعار ربما يزيد الاستهلاك، ويرفع كلفة الواردات، وهذا صحيح. لكن في المقابل، يجب التفكير في منافع هذا الخفض، لاسيما تأثيراته الإيجابية على ميزانيات الأسر الأردنية. ففي ظل الحديث عن أهمية زيادة معدلات النمو وتحريك النشاط الاقتصادي، سوف يقدم تراجع أسعار المحروقات فرصة لتحويل جزء من إنفاق الأسر إلى سلع أخرى، وبما يدفع جانب الطلب في الأسواق.
جاءت الشكوى المستمرة، خلال الفترة الماضية، من ضعف خاصرة الاقتصاد الوطني، بسبب ارتفاع كلفة الطاقة على القطاعات الاقتصادية كافة، وعلى نحو نال من القدرات الشرائية في جانب، وأدى إلى انخفاض تنافسية بعض القطاعات في جانب آخر. وفي ظل صعوبة قيام الحكومة بتطبيق سياسات تحفيزية تنشط الاقتصاد، فإنه يمكن النظر إلى انخفاض أسعار النفط كواحد من بين وسائل التحفيز الاقتصادي.
يجب تذكر أن المملكة تخضع لبرنامج إصلاح اقتصادي لمدة ثلاث سنوات، منذ آب (أغسطس) 2012. وعلى الرغم من آثار البرنامج الإيجابية على صعيد المؤشرات المالية التي تضمنها مشروع قانون الموازنة العامة للسنة 2015، إلا أن كلفة البرنامج تمثلت في الضغط على المواطنين والقطاعات الاقتصادية عموما، نتيجة سياسات اعتمدت زيادة الإيرادات بضرائب ورسوم مختلفة، بهدف تحقيق مؤشرات الأداء وإعادة المالية العامة إلى سويتها.
صحيح أن الصدمات الخارجية كانت من أبرز الأسباب التي قادت المملكة نحو تبني برنامج إصلاحي، والذي كان من بين نتائجه معالجة خسائر شركة الكهرباء الوطنية (نيبكو) عقب انقطاع امدادات الغاز المصري، بما يضمن رفع أسعار التعرفة الكهرباء بنسبة 15 %، للسنة الثالثة على التوالي. لكن، هل من خطط واضحة لدى صناع القرار للتخفيف من النتائج السلبية التي تثقل أداء الاقتصاد؟ وأين انعكاسات هبوط أسعار النفط العالمية في هذه الخطط؟
المصدر : الغد 2014-11-17