الرقابة الدولية
جاء في ميثاق الأمم المتحدة أن ”متابعة قضايا حقوق الإنسان كان يشكل السبب الرئيس لتأسيس منظمة الأمم المتحدة. فإن الحرب العالمية الثانية والقضايا المرتبطة بالإبادة تسببتا في الحصول على إجماع عالمي بشأن ايجاد منظمة جديدة تمنع حدوث مآسي متشابهة في المستقبل والهدف الأولي منها كان وضع إطار قانوني للدراسة والتحقيق والعمل اللائق على أساس الشكاوى بشأن الانتهاك لحقوق الإنسان“.
في الساعة الثامنة والنصف صباح يوم 9 نوفمبر، تهب رياح صحراوية باردة جافة من جهة شمال، في ليبرتي، مخيم اللاجئين الإيرانيين المعارضين للنظام الإيراني، الواقع على مقربة مطار بغداد الدولي، وتهز يديّ اللتين تحملان إحداهما دفتري والأخرى كامرايَ. طرق المخيم باتت مشقوقة ممزقة والمشي عليها يعيد إلى ذاكرتي الطرق الترابية المؤدية بين القرى في إيران قبل 50 عاما. غيوم السماء تثير القلق عندي وأقول في نفسي أتمنى ألا تغمر مياه الأمطار الغزيرة مرة أخرى، أراضي المخيم مثلما حدث قبل سنة، وأذكر دعاء عظم فايل سرور 15 آبان\ميزكار موقت 17 آبان\تراكت تجمع بيماران البلاء ” اِلهى عَظُمَ الْبَلاَّءُ وَبَرِحَ الْخَفاَّءُ وَانْكَشَفَ الْغِطاَّءُ وَانْقَطَعَ الرَّجاَّءُ وَضاقَتِ الاْرْضُ وَمُنِعَتِ السَّماَّءُ واَنْتَ الْمُسْتَعانُ وَاِلَيْكَ”.
لما كنت سائرا في أفكاري أصطاد انتباهي تجمع احتجاجي لمرضى من البعيد. هؤلاء المرضى من سكان ليبرتي ويظلوا يقاومون المرض ولا يفقدون الأمل رغم المشاكل التي يتعرضون إليها. بمشاهدتهم من البعيد تتعالى معنوياتي وأتوجه إليهم وأرى لافتات محمولات بيدهم مكتوب عليها ”الحصار الطبي على مخيم ليبرتي جريمة ضد البشرية“.لقد حُّرموا من الحصول على العناية والخدمات الطبيتين بفعل الحصار الطبي والدوائي وصلت حالاتهم المرضية إلى نقاط لا عودة فيحملون لافتات بأيديهم احتجاجا على هذا الحصار.. ويطالبون يونامي ومراقبيها برفع الضغوط الممارسة على مرضى ليبرتي وأن يوفر لهم الحصول الحر على الخدمات الطبية.
أحد المشاركين في هذا التجمع الاحتجاجي كان يعجز عن الوقوف على رجليه من شده المرض وبفعل تعرضه لانتهاكات لأبسط حقوقه الإنسانية في مجال العلاج، يقول لي ”جئت هنا اليوم آملا إيصال صوتي إلى ممثل الأمم المتحدة لكن كما لاحظت أن سياراتهم لم تتوقف عندنا ولو لحظة ليستمعوا إلى كلامنا.
لما كنت أتكلم مع عدد من المرضى دخلت سيارات يونامي إلى المخيم ومرروا أمام المرضى بدم بارد و من دون أي اهتمام وذلك في حين أنهم لاحظوا أن المحتجين يخاطبونهم بمكتوباتهم وكانوا يريدون منهم تحركا من أجل علاج مصابهم لكن كل ذلك لم يجعلهم أن يتوقفوا حتى لحظه واحدة.
استغربت كثيرا وكنت أتساءل ما الدافع من هذا اللا مبالاة ومن هذا الصمت والتقاعس، خدمة لوقوع مأساة إنسانية وما المعنى منه؟ أ هي قراءة أخرى من الرقابة الدولية؟ ألا جاء في المادة 101 من الفقرة الثالثة من الفصل الـ15 للأمانة العامة لميثاق الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أن”ما يهم أكثر من أي شيء آخر في تعيين ظروف خدمة موظفي الأمم المتحدة إنما هو توفير الحد الأعلى من الفاعلية والكفاءة والتأهل والصواب. أ هي فعلا ذاك التأهل والصواب؟ أهي الالتزام بميثاق الأمم المتحدة المكلفة بالحد من حدوث مآسي إنسانية مشابهة“؟!!.
قال لي مريض آخر بأن القوات العراقية تمنعني من الذهاب إلى المشفى لأخذ العلاج وذلك بالتذرع إلى حجج شتات، فهي ألغت مواعيدي مع أطباء اختصاصيين ثلاث مرات لحد الآن، فيما أن الطبيب العراقي في المخيم كان قد أ كد لي وجوب ذهابي إلى مستشفى ببغداد وكل مرة يُلغى موعدي مع الطبيب، يستغرق لي أسبوعين آخرين ليأتي دوري مرة أخرى وخلال هذه الفترة تتقدم المرض وتتفشى في الجسم في حين إن حرمان المرضى المصابين بأمراض مستعصية وسرطان الذين تتعرض حياتهم لخطر محدق في كل لحظة، يُعتبر جريمة ضد البشرية. وتُقترف هكذا جرائم فظيعة بأهداف سياسية باتة، من قبل قوات أمن عراقية موالية للنظام الإيراني في مخيم باسم ليبرتي المثير للاستغراب على مقربة مطار بغداد الدولي وتحت إشراف الأمم المتحدة.
وتقول لي سيدة مشاركة في هذا الاحتجاج ”إنني أنتظر لعملية جراحة العين لمدة سنة ونصف السنة ورغم أني استلمت إحالة الطبيب العراقي للمخيم والذي يؤكد بأني بحاجة ماسة إلى جراحة العين بيد أن القوات العراقية منعوني من الذهاب إلى المستشفى أربع مرات بالتذرع إلى ذرائع مختلفة مما أدى إلى ضياع المواعيد كلها مع الطبيب والآن يكف بصري ..“ وتختم كلامها بقول ”من المسؤول؟؟“ عيسى أحد جرحى الهجوم الصاروخي على مخيم ليبرتي بتاريخ 9 فبراير 2013، والذي فقد إحدى عينيه في هذا الهجوم، هو الآخر يقول أنه تم إلغاء مواعيدي العلاجية من قبل القوات العراقية 6 مرات بأسباب مختلفة. وفي اليوم الذي كنت على موعد مع الطبيب الإختصاصي قالوا لي القوات العراقية بسهولة اليوم ليس عندنا حركة المرور إذهب انت وراجع الطبيب في وقت آخر! قلت لهم لقد فقدت إحدي عيني، اسمحوا لي على الأقل أن أكمل المراحل العلاجية لها وإلا فستتعفن ...
إن مثل هذه الأحداث تتكرر في مخيم ليبرتي كل يوم ونتساءل ألا يكفي وفاة 22 إنسان بريء بفعل الحصار الطبي والدوائي ممن كانت الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية قد وعدتا بتوفير الأمن لهم وضمان سلامتهم، كي تتحركا وتحركا ساكنا أو علينا أن ننتظر زهق المزيد من الأرواح؟!.
*كاتب ايراني