عفو عام: هل هو ضروري؟

في الوقت الذي تكشف فيه الحكومة عن أنها تدرس حاليا تفعيل العمل بعقوبة الإعدام الموقوفة منذ العام 2006، يخرج علينا مجلس النواب بمذكرة تطالب بإصدار عفو عام.
الحكومة، التي لاحظت ارتفاعا كبيرا في معدلات الجريمة، خصوصا الجرائم التي يعاقب عليها القانون بالإعدام، رأت أن إعادة تفعيل العمل بهذه العقوبة قد يسهم في تراجع تلك المعدلات التي أصبحت مقلقة للمواطن.
هذا من جانب الحكومة. أما مجلس النواب، فيبدو أن أعضاءه الذين تبنوا مذكرة تطالب بإصدار قانون للعفو العام، لا يلاحظون ارتفاع مستوى العنف والجريمة في الأردن، لذلك فهم لا يتورعون عن الدعوة إلى إطلاق سراح مئات المحكومين قبل انقضاء فترة محكوميتهم التي يسددونها للمجتمع الذي أخطأوا بحقه، وإرسالهم في الشوارع ليعيثوا فيها فسادا وإفسادا.
ما يثير الحفيظة، هو ما ساقته المذكرة من مبررات لإصدار قانون العفو، خصوصا السبب الأول الذي يشير إلى أن آخر عفو عام كان في شهر أيار (مايو) العام 2011، أي قبل ثلاث سنوات فقط؛ وكأنما من الواجب على الحكومة أن تلجأ إلى عفو عام سنوي من أجل راحة المحكومين!
نستطيع أن نفهم الضغوط التي يتعرض لها النائب داخل منطقته من أجل أن يقدم، أحيانا، على أمور لا يقتنع هو نفسه بها. لكن "المصلحة الوطنية"، هذا المصطلح الذي اتهمناه على الدوام بأنه فضفاض ويمكن تجييره لمصلحة المفسّر، يبدو واضحا تماما هذه المرة. فليست هناك مصلحة وطنية في إطلاق المحكومين إلى شوارعنا من جديد، رغم إشارة المذكرة النيابية إلى أن "الدراسات أثبتت أن العفو تعهد نفسي وخلقي بين أصحاب العفو ومجتمعه بعدم العودة لارتكاب الجرائم مرة أخرى"، وهو الأمر الذي لم يثبت إطلاقا.
إن التخفيف عن المواطن في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة اليوم، لا يكون بإصدار العفو، بل بتشريعات حقيقية تلتفت إلى الطبقات المهمشة من المجتمع، وتدعم صمودها، وهذا ما يجب أن يعمل عليه مجلس النواب.
في الحقيقة، وبالنظر إلى العديد من الجرائم التي تم ارتكابها في الأردن خلال الآونة الأخيرة، ينبغي التشدد في إنفاذ القانون والأحكام القضائية. ولا بد من التفكير جديا في تغليظ العقوبات على مرتكبي الجرائم البشعة، وصولا إلى تفعيل العمل بعقوبة الإعدام، رغم الدراسات التي تقول إنها قد لا تكون رادعة.
في خضم ما نعيشه من عنف وارتفاع في معدلات الجريمة لدينا، وبين الدعوة إلى تغليظ العقوبات على جرائم بعينها، وبين المذكرة النيابية التي تدعو لقانون عفو عام، لا بدّ أننا نستطيع أن نرى الطريق الصحيحة نحو المصلحة الوطنية الخالية من أي أغراض.
(الغد 2014-11-19)