ماراثون فيينا أو.. مفاوضات اللحظة الأخيرة

الانظار متجهة الى فيينا، بعد ان بدأ العد العكسي لانتهاء التمديد «الأول» الذي اتفقت مجموعة 5+ 1 مع ايران على انتهائه في الرابع والعشرين من الشهر الجاري، للتوصل الى اتفاق «نهائي» حول برنامجها النووي، في ظل تصريحات وتسريبات بعضها مقصود وأخر يُراد منه ان يكون بالون اختبار وثالث لتحسين شروط التفاوض عبر طرح مطالب تعجيزية او التمترس خلف القرارات السيادية وتلك التي تلحظ الاستعداد للمضي حتى نهاية الشوط، بعد ان لم تعد اطراف «المجموعة» الدولية على رأي موحد وباتت المواقف أسيرة المصالح والتحالفات والاصطفافات، حيث الازمات الاقليمية والدولية تفرض نفسها وخصوصاً بين موسكو وواشنطن (أضف الى الأخيرة المعسكر الغربي وبخاصة فرنسا هولاند وفابيوس، التي تبدي تشدداً لافتاً ازاء طهران وملفها النووي) رغم ان الانباء تحدثت عن تقارب «ولو محدود» بين الكرملين والبيت الابيض، ينهض على تفاهمات الحد الادنى ازاء البرنامج النووي الايراني (وقيل قضايا وملفات اخرى).
فهل ثمة امكانية للتوصل الى اتفاق بحلول يوم الاثنين القريب؟
الانباء من طهران لا توحي بأي تفاؤل، بعد ان بدأت اوساط مجلس الشورى تتحدث عن شروط قاسية وظالمة (على حد تعبير رئيس لجنة الطاقة في مجلس الشورى الايراني) الذي اتهم واشنطن وبعض أعضاء المجموعة، بانها تريد إعادة الامور الى نقطة الصفر بطرحها لشروط تعجيزية، تنص على تفتيش غير محدد ومفاجئ، لكل المنشآت النووية الايرانية (ولاحقاً العسكرية)، كذلك إغلاق طويل لمفاعل آراك بهدف اعادة تصميمه، الأمر الذي لخصه وزير الخارجية الايراني بلغة دبلوماسية حمّالة اوجه، خلط فيها التفاؤل بالتشاؤم، عبر القول بان «الامكانية قائمة للوصول الى اتفاق بحلول الموعد المحدد «إذا» لم تطرح الولايات المتحدة شروطاً غير قابلة للتنفيذ في اللحظة الاخيرة».
مثل هذه التصريحات لا تشي بأن ثمة فرصة للوصول الى اتفاق «تاريخي» باتت طهران وخصوصاً واشنطن في حاجة ماسة اليه، ولكل منهما أسبابه وموجباته وبخاصة باراك اوباما الذي يحتاج الى اي انجاز سياسي يُنقذ سمعة ادارته التي باتت في وضع لا تحسد عليه، بعد الهزيمة المُذلّة التي لحقت بها في الانتخابات التكميلية للكونغرس بمجلسيه، وسيطرة الجمهوريين على مجلس الشيوخ وتعزيز سيطرتهم على مجلس النواب، في الوقت الذي تواجه فيه حملته ضد ارهاب داعش وتصاعد نفوذ ايران هناك، انتقادات لاذعة وعدم تحقيق اي انجازات رغم مرور نحو شهرين على بدئها، والاموال التي تُدفع من خزينة مرهقة ومستنزفة، ناهيك عن فشل مساعي وزير خارجيته جون كيري لإعادة المفاوضين الفلسطينيين والاسرائيليين «الى الطاولة»، ناهيك عن الاوضاع المتدهورة في اوكرانيا والاحتمالات المفتوحة لانزلاقها الى مواجهة ساخنة قد تنخرط فيها دول اخرى، بعد ان حسم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمره، وقال في شكل لا لبس فيه ان موسكو «لن تسمح ابداً بهزيمة جنوب شرق اوكرانيا على يد الحكومة الاوكرانية الواقعة تحت تأثير القوى الفاشية والنازية الجديدة، وان موسكو لن تسمح لواشنطن باذلالها».
اين من هنا؟
لا يعني ذلك ان طهران غير معنية بحدوث «انفراجة» في محادثاتها مع مجموعة 5+1، بل حاجاتها الى ذلك تكاد تفوق حاجة اوباما الى انجاز سياسي، لأن الاوضاع الاقتصادية ازدادت صعوبة وارتباكاً بعد الانخفاض الخطير في اسعار النفط، حيث احتسبت حكومة الرئيس روحاني موازنتها على اساس 100 دولار لبرميل النفط الواحد، ما بالك ان العقوبات الاقتصادية والمالية الغربية الصعبة، تحول دون طهران وتصدير كل بترولها الى السوق العالمية، ما قد يثير الاضطرابات في البلاد ولكن هذه المرة تحت يافطة ارتفاع الاسعار وتآكل الاجور وما تنتج عنهما من صعوبات وازمات، وهو امر قد يرتد سلباً على برنامج روحاني الذي يصعب مقارنته ببرنامج الرئيس السابق احمدي نجاد القائم على ترحيل المشاكل وبذل الوعود والتصلب في الآراء، وايضاً في ظل تربّص التيار المحافظ في دائرة «السلطة» الايرانية، الذين يُحصون على روحاني (وظريف) انفاسهما، ولا يترددون في اتهامهما بأنهما يبديان ليونة واستسلاماً لمطالب «الشيطان الاكبر».
ما يزيد من ضبابية الايام القليلة التي تفضلها عن الرابع والعشرين من الشهر الجاري، هو «التكتم» الذي تُبديه الدوائر الغربية إزاء امكانية حدوث اختراق جدي في المواقف، وان كانت الانباء تحدثت عن ان اجتماع اللحظة الاخيرة (على ما وصفوه) دخل في «التفاصيل»، ما يعني أن الاجوبة يجب ان تتوفر وأن تكون واضحة وهذا قد يحتاج الى وقت اضافي ما قد يترجم الى «تمديد» آخر.
فهل تحتمل الاوضاع الاقليمية والدولية تمديداً جديدا؟ أم أننا سنصحو على مفاجأة ليل 23-24 الوشيك، ليَدخل العالم وخصوصاً المنطقة، عهداً جديداً «تنقلب» فيه التحالفات والاصطفافات والمعادلات؟
.. الانتظار لن يطول.
الراي 2014-11-21