"حربائية" ليفني وتلونات نتنياهو

في صباح اليوم التالي لإقرار الكنيست قانون "يهودية الدولة"، والذي ينكبّ على بلورته بنيامين نتنياهو ووزراؤه على أشكالهم المتشابهة كافة، وأبرزهم تسيبي ليفني، "سنكتشف" أن الشمس ما تزال تشرق من الشرق، وأن الصهيونية هي ذاتها الصهيونية منذ يوم أمس؛ إذ إن شيئا لن يتغير عليها، وستبقى إسرائيل والصهيونية في قاع حضيض العنصرية. كل ما في الأمر، أن المشروع الصهيوني المسمى "إسرائيل"، جمع كل سياساته العنصرية على مر السنين، وجعلها قانونا واحدا "أساسيا"، ومرجعا لكل القوانين الأخرى، في حال تعارضت مع جوهره العنصري.
ومن المفترض أن ينتهي في الأيام القليلة المقبلة، "الجدل" السطحي الدائر في حكومة نتنياهو، بشأن ما يسمى "قانون يهودية الدولة" ومضامينه. إذ لا خلاف بين جميع أطراف الحكومة المتجانسة، حول وصف إسرائيل بـ"الدولة اليهودية"، بمعنى أنها دولة ما يسمى "الشعب اليهودي في العالم"؛ هذا الشعب الوهمي الذي اختلقته الصهيونية لتبرر وجودها ومشروعها الكولونيالي الذي كان يبحث عن بقعة جغرافية في العالم، فرست في فلسطين بدلا من أوغندا التي اقترحها بداية مؤسس الصهيونية ثيودور هيرتسل.
وهذه ليست المرّة الأولى التي يُطرح فيها هذا الموضوع هنا، من حيث انعكاساته الخطيرة على مستوى الصراع بشكل عام، ووجود الفلسطينيين ككل في وطنهم، في شطري 48 و67؛ لأن القانون ذاته لا يبين ما هي حدود "دولة اليهود"، وعلى هذا الأمر هناك شبه إجماع صهيوني.
لكن جديد هذه الأيام، هو ظهور جدل وهمي بين أطراف الحكومة. فمن جهة، يقف رؤوس قطعان المستوطنين واليمين الشرس من حزبي "الليكود" و"البيت اليهودي"، ومعهم حزب "إسرائيل بيتنا" بزعامة أفيغدور ليبرمان، وعلى جهة أخرى تظهر حرباء السياسة الإسرائيلية تسيبي ليفني، ومعها زعيم حزب "يوجد مستقبل" يائير لبيد، وكلاهما اتخذا دور "العنصري الطيب"، إن جاز التعبير. فيما يقف في "الوسط"، ولشديد السخرية، نتنياهو.
فقبل أسبوع، منعت ليفني استمرار جلسة اللجنة الوزارية الخاصة التي بحثت في مشروع قانون "يهودية الدولة"، وقدمه نائب من الليكود. وقد أثار قرار ليفني ضجة صاخبة، حتى إنها أغضبت نتنياهو. لكن لم تمضِ 24 ساعة، حتى ظهرت تحمل مشروع قانون "بديل"، بزعم أنه أخف وطأة من القانون الذي طُرح عليها قبل يوم، لكنه في الجوهر، يبقى قانونا عنصريا؛ إذ يسمي إسرائيل "دولة الشعب اليهودي"، بما يجعل الفلسطينيين في وطنهم "مجرد رعايا" في "خيمة الصهيونية" المسماة "إسرائيل". ومن هنا، فلا حاجة للحديث عن حق عودة اللاجئين إلى وطنهم.
وقبل يومين، ظهر نتنياهو يحمل نصا، قيل عنه "وسطيا"، تلاعب فيه بالكلام، لكنه هو أيضا لم يغير في الجوهر شيئا. فلو قارنا بين الصياغات الثلاث، بالأحرف الكبرى والصغرى، وما بين السطور، فسنجد أنها كلها على الإطلاق، صياغات متطابقة كليا في جوهر "يهودية الدولة"، و"عدم شرعية" وجود الفلسطينيين في وطنهم.
وفي هذا الإطار، علينا أن نذكّر جيدا، أن أول من طرحت مسألة "يهودية الدولة"، ومطالبة الفلسطينيين بالاعتراف بـ"الدولة اليهودية" كشرط لاتفاق حل الصراع، كانت تسيبي ليفني في خريف العام 2007، عشية مؤتمر أنابوليس. وقد كان هذا الشرط غائبا حتى عن أشد قادة اليمين تطرفا، فقفز اليمين على هذا وطوره، وبات مقدمة لظهور مشروع قانون "يهودية الدولة"، الذي كان أول من طرحه النائب السابق آفي ديختر من حزب "كديما"، حينما كانت ترأسه ليفني، وتجلس في صفوف المعارضة في العام 2008.
مجمل القول، أن كل الأزمة التي ظهرت في الأيام الأخيرة، وعلا خلالها صوت التوجه إلى انتخابات برلمانية مبكرة، إنما كانت أزمة وهمية، كغيرها من كل الأزمات التي ظهرت في الأشهر الأخيرة؛ فهي أزمات هامشية وليست جوهرية. وحتى إن ظهرت قضية أخرى في الأيام المقبلة، وقادت فعلا إلى انتخابات مبكرة، فإن أحدا لا ينتظر تغييرا جوهريا في الحلبة الاسرائيلية، سوى الغوص أعمق في حضيض العنصرية.
ختاما، فإن كل "الفوارق" بين ليفني ونتنياهو هي لعب بالكلام والمصطلحات؛ فكما أن الحرباء تتميز بتلونها لتتأقلم مع الظروف، فهكذا المتلونون بمواقفهم ننسبهم إلى الحرباء ذاتها: حربائية ليفني وتلونات نتنياهو.
(الغد 2014-11-22)