الرئاسة التونسية جولة ثانية

تونس ما زالت تسير في خطى ثابتة نحو تحقيق الاستقرار السياسي من خلال الديمقراطية والمشاركة السياسية التي تترسخ بعد كل جولة انتخابات او حوار وطني، المثير للانتباه نسبة المشاركة في الانتخابات التي بلغت في الانتخابات البرلمانية 60،1% ممن يحق لهم التصويت في حين بلغت في الجولة الاولى من الانتخابات الرئاسية 54%، وهو تراجع لافت وقد يراه البعض مفسر نتيجة موقف حزب النهضة المحايد وترقب الشارع لنتائج الجولة الاولى، البعض يتوقع ان ترتفع نسبة المشاركة في الجولة الثانية والتي ستجمع كل من منصف المرزوقي والباجي قائد السبسي خصوصا اذا حدثت اصطفافات سياسية داخل الساحة التونسية.
السبسي حافظ على تقدمه في الجولة الانتخابية الرئاسية بنسب مشابه تقريبا للنسب التي حصل عليها حزبة بنسبة 42% من الاصوات مقابل 34% لصالح المرزوقي بعد فرز ثلثي اصوات الناخبين، فالسبسي خاض معركته كما خاضها حزبه «نداء تونس» في الانتخابات البرلمانية في ظل وجود عشرة مرشحين، السؤال الان الى من سينحاز الناخبون انصار الهمامي والرياحي والهاشمي وغيرهم من المرشحين وماذا عن الكتلة الصامته التي تقدر بـ6% من الناخبين الذين شاركوا في الانتخابات البرلمانية ولم يشاركوا في الرئاسية.
ستكشف الجولة الثانية مقدار مبالاة التونسيين بنتائج الانتخابات من خلال نسبة الاقتراع المقبلة فارتفاعها سيقدم دلالات مهمة لتفضيلات التونسيين، وانخفاضها سيشير بوضوح الى لامبالاة التونسيين والى نوعية المشاركين في الجولة الاولى الذين ارتبطوا بمرشحين بعينهم، اما فيما يتعلق بحزب النهضة فإن الشائعات لم تتوقف منذ لقاء باريس الشهير بين السبسي والغنوشي، هذه الشائعات ستحسم على الارجح في الجولة الثانية في حال اعلن الحزب دعم مرشح بعينه في الانتخابات او قرر ابقاء الحال على ما هو عليه ليحسمه الجمهور التونسي، في كل الاحوال فإن خيارات حزب النهضة ما زالت واسعة ومتعددة.
السبسي صاحب الـ87 عاما سيقضي ما تبقى له من فترة الرئاسة في حال فوزه مدافعا عن وضعه الصحي في حين ان منصب نائب الرئيس سيعتبر اكثر اهمية في حالته من الرئيس نفسه اي ان الخيار ما زال مفتوحا للسبسي ليغازل القوى السياسية التي تصدت لعملية انتخابة ونافسته في الجولة الاولى، كما ان اختيار رئيس الحكومة وتشكيل الائتلاف الجديد يجعل من الامر أنه يستحق العناء والمساومة.
في حين ان المرزوقي وكتلته التصويتية ومن سينضم اليها مستقبلا يستند الى الهواجس من عودة العهد السابق وامكانية انعاش الدولة العميقة، امر يدفع التونسيين للتصويت لصالح تحقيق التوازن داخل السلطة ووايجاد قيود على حركة السياسيين بشكل يحد من اندفاعتهم في ظل حالة استقطاب اقليمي مجنونة في المنطقة العربية مسايرتها قادت الكثير من الدول الى فوضى او ما يشبه الفوضى فضلا عن اللاستقرار واللايقين المتولد عن ذلك.
ما يميز الرئاسة التونسية الصلاحيات الكبيرة التي سيتمتع بها الرئيس بدءا من حل البرلمان الى ادارة الاقتصاد الى الهيمنة والسيطرة على المؤسسات العسكرية والامنية واقتراح التشريعات غير انه سيبقى عاجزا عن فرض تشريعات لا تحظى بقبول حلفائه في البرلمان، ما يميز الحالة السياسية والاقتصادية والامنية في تونس انها لا تحتمل التفرد و»التنطع» السياسي والقفز على الجوار الجغرافي لصالح جوار افتراضي، حسابات معقدة ستصبح جزءا من ادارة البلاد، فالاقتصاد بحاجة الى من يعالج ازمته والاوضاع الامنية بحاجة الى علاقات جوار متوازنة والسياسة حالة لا بد من فك طلاسمها بعيدا عن الاملاءات والاحلاف الاقليمية.
الانتخابات التونسية خطوة على الطريق وعملية هندسية تحتاج الى ايدٍ ماهرة حتى لا يجد التونسيون انفسهم في مأزق كبير اقتصادي وامني وسياسي، اذ يجب ان تكون انعكاسا للواقع الداخلي الفكري والسياسي الاجتماعي والاقتصادي وليس انعكاسا للصراعات الاقليمية وهو الاختبار الحقيقي للتوانسة في المرحلة المقبلة.
السبيل 2014-11-25