غربة اللغة

تم نشره الخميس 27 تشرين الثّاني / نوفمبر 2014 02:06 صباحاً
غربة اللغة
أ.د. صلاح جرّار

خلال مشاركتي في أحد المؤتمرات في مدينة قرطبة وزّع على المشاركين مطويّةٌ تحتوي على تعريف بالمؤسسة التي عقدت فيها جلسات المؤتمر، وكانت المطوية بعدة لغات: الإسبانية والإنجليزية والفرنسية والألمانية والإيطالية واليونانية والروسية والصينية والعربيّة. وللتعبير عن اللغة التي تُرجم إليها النصّ وضعت أعلام البلدان أمام كلّ لغةٍ على حدة، إذ وضع علم إسبانيا أمام النصّ الإسباني وعلم بريطانيا أمام النصّ الإنجليزي وعلم فرنسا أمام النص الفرنسي وعلم ألمانيا أمام النص الألماني وهكذا مع جميع اللغات التي ترجم إليها النصّ، ما عدا النصّ العربيّ فإنّه جاء في آخر النصوص ولم يكن أمامه أيّ علم، وكدت أسألهم عن السبب لولا أنني تذكرت في الحال أنه لا يوجد للعرب علم واحد، ولا يوجد للغة العربيّة حاضنةٌ سياسية واحدة.
فأصابتني حالةٌ من الاكتئاب حزناً على العربيّة وأنا أنظر إلى نصّها المكتوب بها ليس له علمٌ كغيره من النصوص باللغات الأخرى، ورأيتها يتيمة غريبة في تلك المطوية. وتساءلت بيني وبين نفسي: ماذا سيقول أبناء تلك اللغات وهم يتصفحون تلك المطوية ويرون أعلام بلدانهم أمام النصوص التي بلغاتهم ولا يرون علماً أمام النص العربيّ. إنّ ذلك محرجٌ لأبناء تلك اللغة أمام الشعوب الأخرى.
إنّ المشكلة ليست في غياب علمٍ عربيّ بل فيما يدلّ عليه هذا الغياب من تفكك الأمّة العربيّة وتمزقها واختلاف أنظمتها وسياساتها وألوان أعلامها على كثرة ما يجمع بين أبنائها من جوامع فكرية وثقافية ولغوية وتاريخية وغير ذلك.
وأتساءل أيضاً ما الذي يمنع جامعة الدول العربيّة أن تدعو الدول الأعضاء فيها كافة إلى التوافق على علم جامع لها من غير أن تلغي أعلامها القطرية فيكون هذا العلم ممثلاً لها عندما يذهب أبناؤها في وفودٍ مشتركة لحضور أيّ مناسبة دوليّة؟! ويمكن لهذا العلم أن يمثل الألوان المشتركة في الإعلام العربيّة كلها والرموز المشتركة فيما بينها سواءً أكانت رموزاً دينية أم قومية أم تاريخية أم طبيعية أم غير ذلك. كما يمكن أن يكون للأمّة نشيدٌ واحدٌ مشترك يتعلمه طلبة المدارس منذ بداية مراحل التعليم، وأن يكون لها سلامٌ قوميٌّ واحد تلتزم به الدول العربيّة كافة من دون أن تتخلى عن السلام الوطني لكل منها.
ولئن كان العلم المشترك والنشيد المشترك والسلام القوميّ المشترك مسائل شكلية إلاّ أنها تمثل رموزاً تذكر الأمّة وأبناءها بما بينها من الجوامع، وتذكرها بأنّ عليها أن تعمل على تحقيق حلمها بالوحدة والتكامل وخدمة مصالحها المشتركة.

الرأي 2014-11-27



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات