اطلالة على الانتخابات التونسية

تم نشره الخميس 27 تشرين الثّاني / نوفمبر 2014 11:19 مساءً
اطلالة على الانتخابات التونسية
رضا أحمودى

كتبت بعد سنة من "الثورة" : ان انعكاسات فشل ثورات الربيع العربى على الاسلاميين الوسطيين هي نفسها انعكاسات هزيمة 1967 على العروبيين الوحدووين .
بعدها دخلت فى موجة انتقادات لاذعة للسّياسيين نقلا لاحكام المواطن البسيط علي الواقع المعاش ... المواطن الذى ملّ الوعود والكلام والخبث والتّآمر والتهميش والبطالة وغلاء المعيشة وسوء الخدمات... ألخ .
بدأ المواطن يتحدّث عن "التّجمعيين الجدد" فى اشارة ذكيّة وخطيرة الى المتسلّقين الذين آثروا البروز والظهور على التخطيط والعمل والتنظيم والمتابعة .
حينها كتبت :" السياسة نصفها خبث ونصفها الآخر خبث أيضا " و " لا تقف امام أسد ولا وراء حمار ولا بجانب سياسيّ" و"فشلت ثورات الربيع العربى لانها عجزت عن تنظيف الشوارع"... وغيرها كثير وبمعدّل مقولة او مقولتين يوميّا ولمدّة طويلة.
كنت أنقل استياء المواطن من غياب العبقريّة الثوريّة والوعي الثورى والفعل الثورى والرقابة الثوريّة والنّتائج الملموسة التى تغيّر حياته نحو الافضل .
كان السّائد حينها "الشرعيّة الثوريّة" التى مهّدت الطريق امام" المهجّرين" و"المسجونين" ليحتلّوا المناصب الحساسة بالبلاد بلا تكوين ولا تأهيل مع تعمّد تغييب الكفاءات الاداريّة التى وصلت الى مناصب هامّة فى العهد السابق واستطاعت باقتدار التسيير رغم تعفّن الاجواء العامة بالبلاد حينها .
الصعود المفاجئ للدستوريين التّجمّعيين يعكس عبقريّة بورقيبة السياسيّة الذى أسّس الشعب الدّستورية ونشرها فى كل مكان من تراب الجمهورية وهيكلها فى شكل تنظيم محكم تنتقل المعلومة فيه بسلاسة صعودا ونزولا ... بعد الإطاحة ببن على تحوّلت الشّعب الدستوريّة الى خلايا نائمة تشتغل فى الخفاء وتترقّب الفرصة المناسبة للثّأر من الذين أهانوهم وهمّشوهم رغم بساطة أغلبهم وعدم استفادتهم الكبيرة من ماضيهم السياسى اذ ان نظام بن على حصرهم فقط فى مهام الاحتفالات والتّحشيد والاستعلام .
سنة 1982 وفى انتخابات مجلس النواب انهزم بورقيبة وهو فى أوجّ قوّته امام احمد المستيرى زعيم حركة الديموقراطيين الاشتراكيين ممّا اضطرّ حاشيته الى تزوير الانتخابات فى تجاوز خطير شكّل منعرجا سيّئا فى تاريخ البلاد السياسى.
البورقيبيون ينهزمون ديموقراطيا سنة 1982 وبورقيبة حي وينتصرون ديموقراطيّا سنة 2014 وبورقيبة ميّت ...
انها السّياسة ...
من أسباب فشل الاخوان فى مصر وتونس مرورهم المباشر من مرحلة الجماعة الى مرحلة الدولة دون المرور بمرحلة الحزب وذلك نتيجة القمع والاستبداد الذىن تعرّضوا له .
فى زيارتى لمصر لسنة 2012 وهي تحت حكم الرئيس السابق محمود مرسى لاحظت باستغراب الانتشار الكبير للاوساخ والفضلات وسط القاهرة وتفشّى الجريمة والفوضى والانفلات الامنى وبداية سريان الثورة المضادة التى بدأت تشتغل اعتمادا على قطاعات وشرائح واسعة من شعب مصر ... أثناء اعتصام رابعة العدوية اظهر الاخوان وبمئات الالاف انضباطا كبيرا وصبرا اكبر رغم الصيام وشدة الحرارة ولبّوا نداء قيادتهم فى نظام مبهر ... حينها تساءلت : لماذا لم تصدر قيادة الاخوان بعد الثورة مباشرة تعليمات لافرادها بضرورة تنظيف وتجميل المدن وبضرورة التوجه الجماعى للاعمال الميدانية المفيدة المجتمع ؟ ... لم يتمّ ذلك لان الاخوان لا يمتلكون قيادات ميدانية عملياتية منتجة وفاعلة ومفيدة بصورة افضل للمجتمع ..
مشكل اخوان مصر هو مشكل اخوان تونس ... قاعدة منضبطة جدّا وقيادات متردّدة ... بإسم التّكيك يصبح "الحلال حراما والحرام حلالا " ...
حركة النهضة غرقت فى حركة النهضة حيث لم يستطيعوا التخلّص من سلبيات العمل السرّى وجرى خلط بين الدّعوى والسّياسى مع توجّه الى التعويض السريع عن السنوات الماضية مما اظهرهم امام الناس بأنهم يبحثون عن الغنائم والامتيازات والدولة تعانى من ازمة خانقة ... بعقليّة الغنائم والتّعويض فقدوا هيبتهم الثوريّة وانجرّوا الى ما حدث للمسلمين فى غزوة أحد حيث ظهر لهم خالد بن الوليد (الباجى قائد السبسى) من حيث لا يحتسبون ...
من حق مناضلى النهضة المطالبة بالعمل والتغطية الاجتماعية ... لكن التعويض الذين يعرفون انهم من المستحيل التّحصّل عليه والبلد يمرّ بتلك الظروف كان من الافضل تجنّب الحديث عنه فى ذلك الوقت على الاقل.
خسرت النهضة كل متعاطفيها نتيجة الاخطاء الفرديّة الكبيرة التى ارتكبها عدد من منتسبيها وكان منها استعلاء بعضهم وغروره حتى انهم اصبحوا يمشون فى الارض مرحا متناسين ان الله يكره كلّ مختال فخور .
من اهم اسباب نجاح الثورة المضادة التمديد فى عمل المجلس التأسيسى بدل الاكتفاء بسنة انجاز الدستور ... التّمديد كان تحيّلا سياسيّا لكي يحتفظ النواب بامتيازاتهم المالية من قوت الشعب ... اداء المجلس كان فى اغلبه تهريجا وفوضى افقدا الناس الثقة فى الاحزاب والسياسيين ... وكثيرة هى الاحزاب التى دفعت الثمن غاليا .
الشيخ راشد الغنوشى يتحمّل مسؤوليّة كبرى فى الانحراف بمسار الثورة نظرا لضبابيته وعدم وضوحه ومناوراته المراوحة فى نفس المكان ... الذى لا يقول بوضوح بأن السكر ابيض والفحم أسود وماء البحر مالح لا يمكن ان ينجح سياسيّا ...
لقد ساهم الاتحاد العام التونسى للشغل فى نجاح الثورة المضادة وقد تندم قياداته على ذلك تماما كما ندم الحبيب عاشور على مساندته لبورقيبة أمام بن يوسف ... التاريخ قد يعيد نفسه .
التّحالف بين قيادات النداء والنهضة قادم بناءا على قناعات وعلى املاءات خارجيّة ... هذا التّحالف سيدفع ثمنه الكثيرون .
الانتخابات افرزت نجاحا هاما للجبهة الشعبية ول"ولد الشعب" حمّة الهمامى الذى عرف خطابه تصالحا تاريخيّا مع هويّة الشعب العربية الاسلامية ... استطاع حمّة اقناع الناخب بجديّة مشروعه وبقدرته الكبيرة على لمّ شمل اليسار رغم تناقضاته واختلاف منطلقاته ... قرأ حمّة الفاتحة واستشهد بمقولة عمر بن الخطاب وزار وليّا صالحا فى حركات شعبيّة كسب بها العديد.
المهم فى هذه الانتخابات هو بداية تشكّل جبهات سياسية قويّة تمثل المشهد السياسى الصحيح والواجب بالبلاد التونسية واعنى به جبهة ليبيرالية تحت قيادة نداء تونس وجبهة اسلامية تحت قيادة حركة النهضة وجبهة يساريّة تحت قيادة حزب العمال وجبهة عروبية تحت قيادة حركة الشعب مقابل اختفاء وخروج احزاب فقدت بريقها فى واقع لم تعرف كيفيّة التعامل معه .
مؤلم جدا ان تختفى احزاب لها تاريخ نضالى .
حقيقة اخرى مهمة أدّت الى هذه النّتائج : "الترويكا" تصرّفت كأنّها معارضة وهى بالسلطة ونداء تونس تصرّف وكأنّه بالسّلطة وهو فى المعارضة ... والفاهم يفهم .
أخيرا لا بدّ من اعتبار ان صوت الذين لم يصوّتوا هو صوت بحدّ ذاته بكل ما يحمله من دلالات فقدان ثقة الشباب فى السّياسيين وكذلك بقاءه قوّة فاعلة جاهزة لاشعال ثورة اخرى ستكون حتما عنيفة جدا لو لم يفلح القادمون فى إيجاد حلول جذرية له وخاصة التّشغيل وتحسين المقدرة الشرائيّة.



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات