توفيق عكاشة على تلفزيون فلسطين!!
قبل أسابيع بعث الرئيس الفلسطيني رسالة إلى المذيع المصري توفيق عكاشة (قرأها الأخير على الهواء) يشكره فيها على جهوده في نصرة قضية القدس ودعوة العرب والمسلمين إلى القيام بزيارات سياحية إليها. ولم تتوقف المفاجأة عند ذلك، بل تعدتها إلى قيام تلفزيون فلسطين يرد التحية بمثلها (لم يحدث ذلك إلا بأمر أولي الأمر بطبيعة الحال)، حيث استضاف عكاشة لكي يستخدم منبر تلفزيون يسمى باسم فلسطين في توجيه الشتائم لحركة حماس التي تعد شريكا في حكومة وحدة مع حركة فتح، بصرف النظر عن وضع الحكومة وبؤس حركتها.
في ذات الأثناء، كان عكاشة يكيل الشتائم للقيادي في حركة حماس موسى أبو مرزوق لأنه تجرأ وانتقد رسالة الرئيس لتوفيق عكاشة، حيث هدده على الهواء قائلا: «عنوان أبو مرزوق لدي في القاهرة وسأقوم بجلبه وتعليقه في أحد ميادين القاهرة وسأجعله يركب حمارا بالملابس الداخلية وأطوف به القاهرة».
إلى هذا المستوى من الابتذال وصلت العلاقة الفلسطينية الفلسطينية في زمن السلطة العتيدة التي يقدسها بعضهم كما لو كانت إنجازا تاريخيا بالفعل للشعب الفلسطيني كما يرددون دائما (في السر كلام آخر، وتسريب صائب عريقات الشهير خير دليل على قناعتهم بتلك السلطة وقيمتها). وها إن قادتها يتعاملون مع التلفزيون الذي يحمل اسم فلسطين بوصفه تلفزيون فصيل لا أكثر.
لا نستغرب أبدا أن يمارس التلفزيون الأخير ما يلزم من الهجاء بحق حركة حماس، وهو يفعل ذلك دائما على كل حال، لكن أن يأتي بمهرج يعرف المصريون والعالم العربي كله أنه «أراجوز» بالفعل كما هو وصفه الشائع، ويستضيفه ويترك له المجال ليكيل الشتائم ضد فصيل فلسطيني فاز بالأغلبية في انتخابات نزيهة العام 2006، ويشارك في حكومة وحدة وطنية راهنا، وخرج ومعه قطاع غزة من معركة كبيرة قبل شهور مرفوعي الرأس، حين يحدث ذلك، فإن المشهد الفلسطيني يعيش حالة بؤس غير مسبوقة، فكيف حين يأتي بينما تعي الجماهير أجواء انتفاضة في القدس. أما التراجع الذي سجله نتنياهو في مسلسل الاعتداءات على المسجد الأقصى (الاستيطان لم يتوقف)، فلم يكن نتاج السياحة التي يدعو إليها عباس، ويستحق عكاشة بسبب تشجيعها الشكر، بل بسبب تضحيات المقدسيين وصمودهم.
نفهم أن الهاجس الأساس الذي يعيشه عباس منذ عام ونيف، هو إرضاء حهة معينة، ومحاولة إبعادها عن الخصم الرئيس ممثلا في محمد دحلان، وبالتالي تغدو السياسة الفلسطينية أسيرة لهواجس شخصية أكثر من القضايا الوطنية ذاتها، بما في ذلك الحصار الذي يتعرض له قطاع غز، والذي يرتب مأساة إنسانية باتت حديث الأحرار في العالم أجمع.
بدل أن ينتقد الرئيس ما يجري، ويطالب بحل معضلة القطاع بفتح المعبر والسماح للناس بالدخول والخروج بشكل دائم، يبادر إلى كل أشكال الغزل السياسي.
هكذا تعيش القضية الفلسطيينة في ظل هذا الوضع البائس، وتعيش حركة فتح بكل تاريخها أسيرة له أيضا، ما يعني أنه من دون تغيير هذه المعادلة، فإن التيه سيتواصل، لكن الأمل يبقى معقودا على شعب عظيم يفجر انتفاضته العارمة التي ستتكفل بتمييز الخبيث من الطيب في الساحة الفلسطينية برمتها.
(الدستور 2014-11-29)