على الإئتلاف أن يحل نفسه
عندما تم تشكيل الإئتلاف قبل عامين من الآن كنت متفائلا إلى أبعد الحدود, فكتبت الكلمات التالية لأعبر من خلالها عن فرحتي بولادة هذا الجسم السياسي الجديد: "ينتابك الشعور بسعادة لا توصف عندما تسمع جورج صبرا يتكلم وأحمد معاذ الخطيب يرد عليه وترى كيف تم توقيع وثيقة "الإئتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية" وهو الجسم السياسي الذي يمثلك ويمثل أغلب أطياف المجتمع السوري فتتذكر هتافات المتظاهرين عندما كانت تصدح حناجرهم بشعارات مثل واحد, واحد, الشعب السوري واحد. فيمتليء قلبك بالإطمئنان والسكينة وتزداد إيمانا وقناعة بأن الطاغية لم يفلح بدس الفتنة بين أطياف الشعب الواحد وأن نهايتة أصبحت قريبة جدا وبات النصر على الأبواب. هنيئا لك يا سورية .. يا بلد التآخي والمحبة والسلام .. يا أم الثورة والثوار .. يا بلد كل الأحرار!"
أما الآن, وبعد عامين من ذلك التاريخ, ما نشاهده ونسمعه ونلمسه من فضائح ومهاترات بين مكونات وشخصيات هذا الإئتلاف تجعلك تعيش شعورا مليء باليأس والحيرة وفي بعض الأحيان تصل إلى حد التقيء.
حوالي الأربعة أعوام والوطن يُدمّر ويُحرق, وعدد الشهداء وصل إلى مئات الآلاف وعدد النازحين واللاجئين إلى الملايين, ولكن القائمين على الإئتلاف والمتحكمين بمصيره, وخاصة الذين وجدوا أنفسهم بين عشية وضحاها في مناصب ومقامات كانوا لا يحلمون بها, يتنافسون الآن فيما بينهم على المكاسب والتي هي في حقيقة الأمر ليست مكاسبا, بل شيئا من الفتات والجيفة, وينسون ما يحصل في الوطن من مآسي وويلات. هؤلاء يتحملون بأفعالهم هذه جزءأ مما يحصل في البلاد من مصائب لأنهم لا يقومون بما يتناسب ومسؤولياتهم أمام هذه الأحداث الجسيمة.
عندما تم تشكيل الإئتلاف كانت أكثر من مئة دولة تشارك في إجتماعات "أصدقاء سوريا", ولكن الآن وبعد عامين فقط, تقلص عدد هذه الدول كثيرا وصار يُعد على أصابع اليدين, لأن أغلب هذه الدول وصلت إلى قناعة بأن من يمثل هذا الإئتلاف هم ليسوا إلا مجموعات متناحرة ومرتبطة بمصالح دول أخرى, ويتم تمويلها من تلك الدول وتعيش على فتاتها وصدقاتها وأن هؤلاء أصبح همهم الأول والأخير هي مصالحهم الشخصية الضيقة والتشبث بالمناصب والبحث عن المكاسب وأن القائمين على رئاسة هذا المكون السياسي لا علاقة لهم بالسياسة ولا توجد لديهم أية حنكة سياسية ولا شيء من بُعد النظر ومنهم من لا يوجد لديه أي تاريخ نضالي سابق. هؤلاء يتحكمون بمصير الإئتلاف فقط لأن دول إقليمية كبيرة تدعمهم وتغدق عليهم الأموال الطائلة لشراء الذمم والأصوات من أجل تنفيذ أجنداتها الإقليمية.
في إحدى اللقاءات الدورية التي تقوم بها دول "أصدقاء سوريا" في لندن إلتقى هناك رئيس الحكومة المؤقتة, أحمد الطعمة, مع رئيس الإئتلاف, أحمد الجربا, وكان من الواضح قد حصل هذا اللقاء دون أن يأخذ رئيس الحكومة "موافقة" رئيس الإئتلاف في المشاركة في هذا اللقاء, فما كان على رئيس الإئتلاف إلا أن يتهجم على رئيس الحكومة بالشتائم وغير ذلك أمام أعين وزراء خارجية "أصدقاء سوريا". منذ ذلك التاريخ وضع رئيس الإئتلاف نصب عينيه إسقاط رئيس الحكومة قبل إسقاط بشار الأسد ونسي مصير الثورة والوطن برمته. في إجتماع الإئتلاف الذي حصل بعد هذه الحادثة, جلب أحمد الجربا معه محفظة كبيرة مليئة بالدولارات وكان يغبط منها ويعطي لكل عضو من أعضاء الإئتلاف بعد ما يعطيه هذا العضو توكيلا خطيا بصوته, أي يبيعه صوته. وبهذه الطريقة تم سحب الثقة من رئيس الحكومة المؤقتة أحمد الطعمة. أما في الإجتماع ما قبل الأخير والذي تم في مدينة أدرنا التركية, عمل الفريق المناويء "لجماعة أحمد الجربا" على "إعادة إعتبار" رئيس الوزراء السابق, أحمد الطعمة, وسخروا كل ما لديهم من قوة وحنكة ولف ودوران من أجل تحقيق ذلك وكأن ثورتنا لا همّ لها سوى "إعادة إعتبار" أشخاص تقلدوا منصبا معينا في فترة زمنية معينة وكأنهم قد ولدتهم أمهاتهم وهم رؤساء وزارات. أما في الإجتماع الأخير الذي عُقد في إسطنبول, (21-23) من الشهر الجاري, تم ضرب كل الأعراف والتقاليد والأنظمة السارية والمتعارف عليها في عرض الحائط من أجل إنجاح تشكيل الحكومة الثانية المؤقتة برئاسة أحمد الطعمة.
ما نسرده هنا هو غيض من فيض من الفضائح التي تحصل في الإئتلاف وبين أعضائه وفي كواليسه.
من الواضح بأن الإئتلاف قد وصل إلى حالة أصبحت فيه الكتل التي تشكله تعيق عمل بعضها البعض وأفضل مثال على ذلك هي النتائج التي يتوصل إليها الإئتلاف في كل إجتماع من إجتماعاته.
حسب تصورنا قد آن الأوان بأن يقوم الإئتلاف بعملية الهروب إلى الأمام, لكي يحفظ ماء وجهه, ويحل نفسه ويدعو إلى مؤتمر وطني عام, تشارك فيه كل الكتل والمجموعات والمكونات والشخصيات الوطنية من أجل وضع أسس وأنظمة جديدة مبنية على هيكيلية شفافة وواضحة لا تدع مجالا لتلاعبات "فقهاء" القانون ولتفسيرات وتأويلات المغرضين وأهل الفتاوى المنحازة والذين يدعون بأنهم يفقهون شيئا من القانون.
كل ما أنجزه الإئتلاف إلى يومنا هذا لم يجلب شيئا مفيدا للثورة السورية وحتى أغلب قراراته وطريقة أخذه لها كانت تتم بشكل غير ديمقراطي, فلهذا بدأ الكثير من المواطنين الشرفاء يتساءلون: أين هو الفرق بين "النظام" والإئتلاف؟ هل من أجل هذا قدمنا كل هذه التضحيات والدماء؟ هل هذا هو الإئتلاف الذي يمثلنا؟ هل سيستطيع أن يجلب لنا هذا الإئتلاف الديمقراطية والحرية؟ وهل .. وهل ...
هذه هي الطريقة الوحيدة والفرصة الأخيرة التي بقيت أمام أعضاء الإئتلاف لكي يتحملوا مسؤوليتهم أمام الوطن والتاريخ ويقدموا بعض التنازلات من أجل إنجاح الثورة, وذلك بأن يقوموا بحل هذا الإئتلاف الذي أصبح مكونا معاقا ومشلولا لأن أصبح في داخله ليس "الثُلث المعطّل" فقط بل "النصف المعطّل" والبحث عن سبل من أجل الخروج من هذه الحالة المأساوية. إن لم يكن أعضاء الإئتلاف بقدر هذه المسؤولية ويستطيعوا القيام بتضحية من أجل إنجاح الثورة, فإين يكمن إذا الفرق بينهم وبين الطاغية بشار الأسد الذي بسبب تمسكه بكرسيه أوصل الوطن إلى ماهو عليه الآن؟
الثورة تضحية ومسؤولية وليست هي فرصة لتقاسم المكاسب والمناصب, فمن هو ليس في مستوى المسؤولية سيحاسبه الثوار عاجلا أم آجلا وإن لم يحاسبه الثوار فإن التاريخ سيحاسبه ومن المعلوم بأن التاريخ لا يرحم.
جمال قارصلي / ألمانيا