عندما يكون الارهاب اسرائيليا
بينما كانت الامم المتحدة تنتظر رد اسرائيل - في نهاية الاسبوع الماضي - على تقرير غولدستون حول مذابحها في الحرب على غزة, كانت تل ابيب تحتفل بنجاح اغتيال احد قادة حماس محمود المبحوح في دبي. في رسالة واضحة للمجتمع الدولي بان اسرائيل لن تتراجع عن سياساتها تجاه الفلسطينيين, وهي سياسة تستند الى حروب الابادة المتكررة, والحصارات الدائمة وعمليات الاغتيال من البر والجو, والتصفيات والاعتقالات... الخ.
كالعادة, تمر جرائم اسرائيل وعملياتها الارهابية تحت غطاء كثيف من التجاهل الاعلامي والصمت السياسي, فلو كان الاغتيال لدبلوماسي او ضابط موساد اسرائيلي متقاعد, لكانت الاضواء سلطت عليه بقوة في وسائل الاعلام الامريكية والاوروبية والعربية ايضا, ولكان الفلسطينيون والعرب والمسلمون قد تناوب على اسماعهم وابصارهم معظم السياسيين الغربيين, وحتى العرب, منددين بالارهاب واصفين اياه بانه مناف للانسانية والاخلاق ومعاد لجهود اوباما واللجنة الرباعية والمجتمع الدولي من اجل (السلام في المنطقة)!!.
ملاحقة مناضل فلسطيني الى فندق في مدينة دبي الآمنة, وصعقه بالكهرباء ثم خنقه بالأيدي, هذا ليس ارهابا. ولا اعتداء على سيادة وامن دولة عربية. ولذلك لن يكون الحادث خبرا مهما!! ليتم التعتيم عليه في البرامج المخصصة في الفضائيات العالمية (والعربية ايضا) من اجل اظهار هوية الارهاب, بصورة دائمة, بانها عربية واسلامية! لكن ارهاب اسرائيل الذي تسيل فيه دماء الاطفال والنساء والرجال شلالات ويدمر المدن والمنازل فوق رؤوسهم فهو دفاع عن النفس! وحق لاسرائيل لا يجادل فيه احد!
وهذا الانقلاب لصالح اسرائيل في المفاهيم الاخلاقية والقانونية والسياسية, كذلك في طروحات المنطق والعقل, هو ثمن يدفعه الفلسطينيون ومعهم الامة العربية لانهم انتقلوا, على ارضية الصراع مع اسرائيل, من مربع انكار وجودها غير الشرعي, الذي قام على الاستيطان والغزو الى مربع الاعتراف بهذا الوجود من اجل تقسيم فلسطين, واقامة دولة فلسطينية على 22 بالمئة من مساحتها.
لقد تم هذا الانتقال قبل ان تقوم الدولة الفلسطينية, وقبل ان يوضع حق العودة للاجئين موضع التنفيذ, وحتى قبل ان يحرروا الاف الاسرى وقبل ان يحرروا مقدساتهم في قلب القدس ايضا. كل هذه التنازلات, اعطت (ارهاب) اسرائيل صورة الدفاع عن النفس. في مقابل وصف الفلسطيني المطرود من بلاده ووطنه منذ 62 عاما بانه ارهابي اذا ما اعلن انه يمتلك الحق في المقاومة, وفق القوانين والاعراف والمواثيق الدولية.
لقد تحولت حقوق الشعب الفلسطيني الاساسية الى ساحة مستباحة للكيان الصهيوني, واساليبه الوحشية التي اصبحت مصدرا للخيال الروائي والسينمائي والمسرحي. مثل مسلسل وادي الذئاب التركي وكذلك مسرحية »اسمي ريتشل كوري« وهي ناشطة امريكية سحقتها الجرافات الاسرائيلية في قطاع غزة عام ,2003 المسرحية التي رفضت بلدية نيويورك عرضها بضغط من اللوبي الصهيوني, مع ان كوري فتاة امريكية.
الارهاب الاسرائيلي, يتم التعتيم عليه بعيدا عن اضواء الاعلام والرأي العام العالمي, بسبب سياسة الكيل بمكيالين, كلما تعلق الامر بجرائم اسرائيل .لكن هذا الارهاب سيصبح قصة العالم يوما, لأن رائحة جرائمه تغطي الافق. وما تقرير غولدستون إلا بداية عصر كشف الحقيقة التي تُغتال يوميا على ارض فلسطين.0