الإبقاء على نظام الأسد؟
لو لم يسيطر تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) على الموصل، محاولاً قضم حضور إيران ودورها في العراق، لما تخلت طهران عن نوري المالكي رئيسا للحكومة العراقية.
"داعش" بالتأكيد يهدد حضور إيران ودورها في كل من العراق وسورية. ومن هنا، فإن من المهم الاستماع بانتباه كافٍ لأصوات المحللين الذين يميلون إلى التكهن بأن إيران ستقبل، عاجلاً أم آجلاً، بفكرة "الخيار العراقي" في سورية؛ ذلك أن فتح صفحة البحث عن مصير الرئيس السوري بشار الأسد، بحسب هؤلاء المحللين، سيضمن لطهران إنقاذ ما تبقى من النظام في سورية، كما سيضمن للجمهورية الإسلامية مصالحها في هذا البلد. وهو كذلك سيخفف العبء الثقيل عن اقتصادها. هذا الأمر سيعني، في الأول والأخير، مواصلة الحرب على القوى المسلحة المتشددة التي تهدد حضور إيران ودورها في الإقليم.
لكن رفض إدارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، مقاربة من يربطون بين محاربة "داعش" وأخواته وإسقاط نظام بشار الأسد، وعلى الأخص تركيا والسعودية، سيغذي النزاع الطائفي والمنحى التفتيتي في المنطقة، وسيعزز من أفكار "المؤامرة" التي تذهب إلى القول إن ثمة اتفاقا ما أميركيا-إيرانيا يستهدف الإبقاء على نظام بشار الأسد. غير أنّ هذه المقاربة ستعزز من قوة الجذب الأيديولوجي لـ"داعش" على الجانب السُنّي، ولـ"حزب الله" و"عصائب الحق" وسواهما على الجانب الشيعي.
كلام واشنطن عن خطط لدعم تشكيل قوى عسكرية من السُنّة في العراق لمحاربة "داعش"، أو كلامها عن دعم المعارضة المعتدلة في سورية، سيقود إلى تقوية نوايا النظام السوري باستهداف الفصائل المسلحة المعتدلة في سورية التي تحارب "داعش" والنظام على حد سواء، وهذا سيصب، على المستوى الشعبي في صالح "داعش" و"النصرة" و"أحرار الشام" وغيرها من فصائل مسلحة متشددة، سيجد نظام الأسد نفسه في مواجهتها، في ظل غياب أي بوادر تسوية سياسية حقيقية جادة. وهو السيناريو نفسه الذي دفع بواشنطن وطهران إلى القبول بفكرة تنحي نوري المالكي، ما يعني تعزيزا لفكرة اعتماد "النموذج العراقي" في سورية.
تصريحات الفصائل المسلحة السورية المعتدلة عن أن ضربات التحالف الدولي على الإرهاب تعزز من مواقع النظام السوري، إنما تصبّ في الحقيقة لمصلحة رواية "داعش" و"النصرة"، وتقود إلى مزيد من إضعاف المعتدلين. وهكذا وضع يدفع إلى أهمية القول إن المشكلة البنيوية الداخلية التي تعانيها المعارضة السورية المعتدلة في مواجهتها للنظام السوري ينبغي ألا تنسيها أن الإدارة الأميركية ليست في وارد الإطاحة بالأسد، وأن ذلك ليس أولوية من أولوياتها.
الخبراء والمحللون يذهبون إلى أن تحييد الغارات الجوية للتحالف قوات الأسد النظامية ليس مرده الخوف من ردة فعل إيران والمليشيات الشيعية في العراق فحسب، بل إن ثمة حسابات عديدة تؤكد أن ما يجري سيأخذ وقتا وقد يتجاوز المرحلة/ الفترة التي سيقضيها أوباما رئيسا في البيت الأبيض، وتسليم الدفة، على الأرجح، للجمهوريين، الذين ستكون لهم مقاربات مختلفة لكثير من القضايا والملفات في الإقليم، وهو ما سيعزز فكرة استمرار حالة الارتباك واللاإستقرار في المنطقة لثلاث سنوات مقبلة على الأقل.
الغد 2014-12-05