التكنولوجيا تقتل الحب
في البدء كانت كلمة قالها في الصحراء قيس بن ذريح حين أحب لبنى وخطبها وتزوجها، ثم طلقت منه بفعل ضغوط خارجية، ومات الحب، وقيل، الزواج يقتل الحب، وينهيه أو يجعل منه كوردة ذبلت في يوم عاصف، أو ألهبها حر الظهيرة في صيف صائف، فلايتبقى منه سوى ذكرى قد تذوي على سرير شريك جديد لاينسي الحب الأول لكنه يغطيه كما تغطي الظلمة نور الشمس.
الأنترنت يبدو كأنه الزواج الذي يقتل الحب فهو يتحرك في إتجاهات عدة لايترك أثرا في الهواء الذي ينساب فيه لكنه يحطم العقول، ويخترق الأمزجة والنفوس والضمائر، ويغير ويترك أثرا فيها لايمحى مع الزمن، لكنه يتبدل ويتحول، فظهور مواقع التواصل الإجتماعي بعد نهاية ثورة الراديو، ثم التلفزيون، والفديو، والكاسيت، والأقراص المدمجة، تأتي ثورة المعلومات الهائلة عبر الأنترنت ومن خلال حركة مغايرة لم تكن مألوفة في الأيام الأولى لثورات التكنلوجيا الإبتدائية، ولاتشكل مواقع الأنترنت والصحافة الألكترونية والفيسبوك والتويتر سوى جزءا بسيطا من أشكال مذهلة للتقنيات الحديثة.
يسارع بشر كثر الى الإفادة من كل ماتقدمه التكنلوجيا الحديثة من متعة ومعرفة وتواصل إفتراضي قد يتحول الى تواصل محسوس مع الزمن وبحسب طريقة التعاطي مع التقنيات المتاحة، ولهذا تبدلت مفاهيم تعاطينا مع الحياة وحركتها الدائبة وصرنا لانتوقف عند شعور بعينه ولانستسلم لإحساس يعترضنا، وبدا لنا كل شئ وقد تغير تماما، فالحب أصبح رقميا، والشعور بقيمة الآخر قد تنهار في لحظات مع توافد ملايين المعلومات والصور التي سببت لنا عمى دائما لكننا لانكاد نفقهه مباشرة بسبب مايوفره من خداع لأنفسنا وأمزجتنا فكثرة المعلومات والصور وتسربها كقلتها في الحقيقة، وحين تشكو من قلة المعلومات لكنك تستفيد منها على أية حال، فأنت في حال أفضل من حال من يتلقى ملايين المعلومات ويتيه منها عنه كثير، ولايعود يفهم منها شيئا لأنه لايعرف الوصول الى معنى الكثير منها.
الحب يضيع، يتحول الى معلومة تجمع شخصين وتتيه عنهما ثم تنفصل فتفصل بينهما بسياج ألكتروني مكهرب، وتبعث بنفسها الى آخرين غيرهما، وتوزع الأسيجة المكهربة عبر الشبكة العنكبوتية لتحجز الناس المولعين بالبحث عن شركاء في الشعور والمعرفة والجسد، يتحول الحب الى مجرد كلمات عابرة وأسرة باردة، وكلمات سر لاتفتح صفحات معطلة، أو تم تهكيرها من جنود ألكترونيين.. الأنترنت لايتيح الصحراء التي أتاحتها الطبيعة لقيس بن ذريح وللعاشقة لبنى،ولا تلك التي تهيأت لعنترة العبسي وعبلة حيث يقول فيها:
ولولا حبُّ عبلة َ في فؤادي مقيمٌ ما رعيتُ لهم جمالا
عتبتُ الدَّهر كيفَ يذلُّ مثلي ولي عزمٌ أقدُّ به الجبالا
أَنا الرجلُ الذي خُبِّرْتِ عنه وقد عاينْتَ مَعْ خبري الفِعالا
غداة َ أتتْ بنو طيِّ وكلبٍ تهزُّ بكَفّها السُّمرَ الطّوالا