عباس في خدمة اليمين الصهيوني
«كيف ستؤثر نتائج هذه الانتخابات على القضية الفلسطينية؟».. دائماً ما يتردد هذا السؤال عندما يقترب موعد إجراء الانتخابات العامة في الكيان الصهيوني. وينبثق عن هذا السؤال العام عدة تساؤلات فرعية، على شاكلة: كيف ستؤثر نتائج الانتخابات على مستقبل مشاريع التسوية، والاستيطان والتهويد، والانقسام الفلسطيني، والنوايا الصهيونية تجاه غزة، وعدد لا نهائي من الأسئلة الأخرى.
طرح هذه التساؤلات مشروع، ومحق، فتركيبة الحكومات الصهيونية، التي تحددها نتائج الانتخابات تؤثر بالفعل على القضية الفلسطينية، على اعتبار أن سلوك الكيان الصهيوني يعتبر الطرف الأكثر تأثيراً على الواقع الفلسطيني سواء على الصعيد السياسي والأمني والاقتصادي والاجتماعي. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: وماذا عن سلوك الفلسطينيين، هل كان قدراً أن يبقى الفلسطينيون مجرد ساحة لاستقبال التأثير من الجانب الصهيوني، أم أن لدى الفلسطينيين، في المقابل، ما يمكنهم من التأثير على السلوك الصهيوني. المفارقة أنه على مدى العقدين الماضيين كنا نصم كل حكومة صهيونية تتشكل بأنها الحكومة «الأكثر تطرفاً» في تاريخ إسرائيل. بمعنى أن الوقائع تؤكد أن المجتمع الصهيوني يتجه بجنون نحو التطرف. لكن أحداً لم يكلف نفسه عناء طرح سؤال مقابل: ما دور السلطة الفلسطينية في دفع الصهاينة نحو التطرف؟ لقد كان من المؤكد أن سلوك السلطة الفلسطينية يعتبر أحد الأسباب التي تفسر اندفاع المجتمع الصهيوني نحو التطرف. فعلى الرغم من تعاقب الحكومات اليمينية المتطرفة على الحكم في تل أبيب، وعلى الرغم من أنها واصلت التمدد الاستيطاني في أرجاء الضفة الغربية، وحرصت على تكثيف مشاريع التهويدية في القدس ومع أنها وفرت غطاءً لاعتداءات المستوطنين على المدنيين الفلسطينيين العزل، إلا أن السلطة الفلسطينية وتحديداً برئاسة محمود عباس لم تقدم على أي تحرك معاكس كان يمكن أن يدلل لرجل الشارع الصهيوني أن سلوك حكومته يسهم فقط بالإضرار بمصالحه. بل على العكس تماماً، فإن السلطة تقدم على كل الخطوات التي من شأنها اقناع الصهاينة بتأييد الأحزاب اليمينية الأكثر تطرفاً وغلواً. فخذوا على سبيل المثال، ما حدث في أعقاب اندلاع انتفاضة القدس وتفجر عمليات المقاومة الأخيرة، والتي نسفت مستوى الشعور بالأمن الشخصي لدى الصهاينة بشكل غير مسبوق. فقد تسابقت النخب الصهيونية لاتهام حكومة بنيامين نتنياهو بالمسؤولية عن تفجر هذه الموجة من العمليات لسماحها بتدنيس المسجد الأقصى وتوعد وزراء ونواب من الائتلاف الحاكم بتغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى وصولاً إلى تهويده بالكامل. فقد كان المؤمل من قيادة وطنية ترى في ذاتها مسؤولة عن تحقيق مصالح الشعب الفلسطيني أن تقلص هامش المناورة أمام الحكومة الصهيونية وتحرجها أمام جمهورها لكي يتأكد هذا الجمهور أن سياسات هذه الحكومة لا تعود إلا بالوبال عليه. ويكفي أن يقدم رئيس السلطة محمود عباس على وقف التعاون الأمني مع الاحتلال. لكن عباس اختار تحديداً أن يرسل تطمينات للجمهور الصهيوني بأنه بإمكان نتنياهو وحكومته مواصلة ما يقدمون عليه من جرائم دون الخوف من تعاظم عمليات المقاومة. ففي الوقت الذي تسن فيه إسرائيل المزيد من القوانين العنصرية ضد المواطنين الفلسطينيين في القدس وفلسطينيي الداخل، تتباهى أجهزة الأمن التابعة للسلطة بدورها في «قمع» انتفاضة القدس. فللمرة الثانية في غضون أسبوع حرصت مصادر في قيادة الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة على طمأنة الرأي العام الصهيوني أنها أقدمت على خطوات أسهمت في إضعاف وتيرة عمليات المقاومة، وحتى القضاء عليها. ولم تجد قيادات في أجهزة السلطة الأمنية مانعا من الحديث مع وسائل الإعلام الصهيونية والإفصاح عن طابع العمليات «الوقائية» التي اتخذتها لإضعاف وتيرة العمل المقاوم. ووصل الأمر بأن نقلت الإذاعة العبرية الأربعاء الماضي عن «مصدر كبير» في الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة قوله إن هذه الاجهزة حرصت بشكل واضح على منع انتقال الانتفاضة إلى مدن الضفة الغربية من خلال شن حملات اعتقال واسعة ضد قيادات ونشطاء في حركة «حماس». وعندما لم تثق الإذاعة بما جاء على لسان «المصدر الكبير» في أمن السلطة توجهت إلى «مصدر كبير» في هيئة أركان الجيش الصهيوني، الذي أكد لها أن السلطة الفلسطينية لعبت الدور الأبرز في التأثير سلباً على وتيرة عمليات المقاومة. وحسب المصدر العسكري الصهيوني فإن الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة تتعامل مع إمكانية اندلاع انتفاضة ثالثة كتهديد إستراتيجي على بقاء السلطة الفلسطينية ذاتها.
قصارى القول، بغض النظر عن طابع الحكومة الصهيونية التي ستتشكل في إسرائيل بعد الانتخابات، ستواصل سلطة عباس التعاون معها، وهذا بحد ذاته يمثل فقط مسوغاً لجذب المزيد من الأصوات لأحزاب اليمين في الحكومات القادمة.
السبيل 2014-12-08