فَدْرَلة اليمن أم تقسيمه؟ أم.. إفشاله؟
مروحة الخيارات التي يمكن لدولة قوية, آمنة ومستقرة وخصوصاً شرعية لا تتوفر لجمهورية اليمن، التي باتت اقرب للتحول الى دولة فاشلة (صومال اخرى) منها الى دولة يمكن ان تنهض من عثراتها وتُجدّد الآليات المتخلفة وغير «الدولتية» التي دأبت على التعاطي بها وبخاصة منذ ان جاء الى السلطة وفي وقت مشبوه وتآمري، ضابط مغمور اسمه علي عبدالله صالح لم يملك من مؤهلات القائد او سماته سوى مرجعيته القبائلية «حاشد» التي وفرت له غطاء لا يستحقه، بعد عمليتين مشبوهتين لرئيسين قُضيا اغتيالاً، احدهما «الوحدوي» ابراهيم الحمدي، اما الثاني فهو أحمد الغشمي الذي خلفه صالح، هذا «العسكري» البائس الذي هيمن على اليمن ثلاثة عقود، لم يَجْنِ منها اليمنيون غير الفقر والمهانة والاذلال، فيما «فخامة» الرئيس الذي وَصَفَ حُكم اليمن بأنه كمن يرقص على رؤوس الثعابين، يواصل تجويف اليمن سياسياً واجتماعياً واقتصادياً ويرتهنه لـ «المانحين» والمتبرعين، فيهرع وعصابته الى نهب المساعدات وتحويلها الى الخارج علّها تنفع في الأيام السوداء التي تنتظرهم.
اليمن، وبعد ثورة شعبية شجاعة في تحديها لنظام الفساد والاستبداد، الذي بناه علي صالح، لَبِنَة لَبِنَة من عرق اليمنيين وكدّهم، يوشك ان يخرج من اسرة الشعوب، بعد ان انهكته التدخلات الخارجية وسلبته القوى الرجعية التي تمسك بمفاصل الحياة اليمنية، حيويته وابداعاته، فأوقعت بين مكوناته وزادت من منسوب شحنها المذهبي والطائفي والجهوي والقبائلي، فتحول اليمن الذي بدا في لحظة وكأنه جاهز لاستقبال رياح الربيع العربي (الواعدة كما ظن سُذّج كثيرون) الى ميدان تدريب بالذخيرة الحية لكل من يتوفر على مجموعة من الرجال، وكمّ من عربات الدفع الرباعي وجهة تتولى التمويل وتُملي في الآن ذاته المواقف والنصوص ودائماً التوجهات والأهداف.
خرج الديكتاتور من «الحكم» لكنه لم يخرج من «الحكومة» وهو يواصل لعبته المعهودة في التخريب واللعب على التناقضات، مستغلاً سذاجة الآخرين وقلّة تجربتهم وحاجتهم الى الدعم او التحالفات، حتى لوكانت من تحت الطاولة او عابرة, كما هو حادث الان مع جماعة انصار الله «الحوثيين» الذين برزوا كقوة اولى في المشهد اليمني, بعد أن ضَعُف الاخرون او جرى سحب الدعم منهم من قِبَلِ عواصم اقليمية ودولية, ولأن «صالح» ما يزال اسير عقلية الثأر والانتقام والحقد، التي ميّزت سلوكه منذ ان ظهر في الفضاء اليمني وامتداده العربي، كرجل دَعيّ ومتآمر.. فإن ما يجمعه الان «بأنصار الله» هي مصلحة مؤقتة تتمثل في الانتقام من الرئيس الحالي «هادي» الذي يبدو بانه غير قادر على الإمساك بخيوط اللعبة ما يسمح بمزيد من التدهور والارتجال وفتح الاحتمالات على يمن أسوأ ممّا هو عليه الان من بؤس وتمزّق وانهيار.
فقدت نتائج الحوار الوطني بريقها وباتت شماعة لكل من يريد ان يتملص من الاستحقاقات المطلوبة منه, كذلك لم يعد لدى «شعب» الجنوب ما يخسره, بعد أن بدت الامور وكأنها ذاهبة الى المجهول او في طريقها الى ان تعصف بآخر ما تبقى من اليمن, ولهذا جاء اعلان العصيان المدني الذي بدأ تطبيقه قبل يومين، ليؤشر على المصير الذي ينتظر «اليمن» الذي لم يكن موحداً كما قيل أو تم وصفه بعد حرب التصفيات الدموية التي شنها الديكتاتور وزمرته على اهل الجنوب, تحت يافطة «الوحدة» التي لم تجد تطبيقاً واحداً لها منذ ذهاب قادة جمهورية اليمن الديمقراطية الى صنعاء لتوحيد شطري اليمن, بل وتفاقم التمييز والتنكيل والاذلال والتعامل معهم كمواطنين من الدرجة العاشرة, بعد الحرب التي سمّاها, تضليلاً وكذباً... حرب الوحدة.
الخيارات امام اليمن، «نخبته» وجمهوره على حد سواء, محدودة فإما التحوّل الى دولة فاشلة تَغْرِفُ من الجار الصومالي وتنهل من «تجربته» التي باتت مثلاً, أو قيام دولة فيدرالية تمنح الجنوب صلاحيات واسعة على قدم المساواة مع الشمال، وفي اطار حكومة وحدة وطنية متكافئة والخيار الثالث هو ترك اليمن الجنوبي، الدولة والشعب، يقررون مصيرهم بأنفسهم ويستعيدون دولتهم التي غُيّبت عقدين من السنين, ولم يتم «تعويضهم» بما يتناسب والامال الوحدوية التي علّقوها على «وهم» الوحدة.
يَرْشح ان اتفاقاً تم بين جماعة الحوثي وبعض شخصيات جنوبية، ينص على قيام فيدرالية، ولم تتأكد اخبار كهذه حتى الان, فيما بات مؤكداً أن دول مجلس التعاون الخليجي قد أوقفت تماماً مساعداتها لليمن, ما لم تتم عودة الامور الى سابق عهدها «قبل اجتياح انصار الله للعاصمة وبعض المدن اليمنية الاخرى».
هل ينجو اليمن من خياراته البائسة «المتاحة» الآن؟
الايام ستروي.
الراي 2014-12-10