اليافطة
((إتصور ماسك بيضة أو بتبوس بقرة))
((وإزرع شجرة تطلع فى الكاميرا وبعد ما تمشى تموت))
بهذه الأبيات من قصيدة "المد والجزر"سخر عبد الرحمن الأبنودى منذ 33 عاما، من نظرة السلطة وفلسفتها تجاه الشعب، وكيف تضللهم وتستخف بعقولهم، بلا أدنى خجل او حياء أو مواربة او حتى إتقان وإجادة لفنون التضليل وغسل الأدمغة.
انها فلسفة لا تهم فيها الحقيقة أو العدالة، ولا القانون والحقوق والحريات، ولا الإنحيازات الشعبية والطبقية، ولا البرامج والمواقف السياسية، ولا الثورة والثوار، ولا الشهداء والقصاص، ولا القيم الأخلاقية أو الثوابت الوطنية أو العدالة الاجتماعية او المبادئ الديمقراطية، ولا طبيعة التحالفات الإستراتيجية، أو عمق علاقات التبعية، أو حميمية العلاقات المصرية الاسرائيلية. ولا يهم استقلال القضاء أو فصل السلطات أو نزاهة الانتخابات أو ضمانات تداول السلطة أو المشاركة العادلة فى الثروة. ولا تهم بالطبع حرية الراى أو الاعلام ...الخ. ولكن المهم هو شكل السلطة وصورتها أمام الرأى العام .
فهى تتصرف وفق قاعدة ((افعل ما تشاء ولكن قل للناس ما يريدون، وإرفع لهم ما يحبون من مانشيتات وشعارات ويافطات))
فيافطة صغيرة تخفى بلاوى كثيرة؛
تستطيع بيافطة واحدة أن تحول وحدة عسكرية الى سجن تابع للداخلية وبأثر رجعى أيضا.
أو أن تفرج عن قتلة آلاف المتظاهرين بيافطة "الإجراءات"
وأن تقتل من تشاء تحت يافطة "الطرف الثالث"
وأن تسمى البلطجية "بالمواطنين الشرفاء"
وتحت يافطات "القضاء الشامخ" و"لا تدخل ولا تعليق على أحكام القضاء" تستطيع أن تصدر أحكام إعدام بالجملة، وتسجن الناس لعشرات السنين.
وان تخفى حزن الناس وخوفهم وغضبهم بالرقص أمام اللجان الانتخابية
وان تختزل أزمات مصر وتطمسها بأغنية وطنية من النوع الركيك
وان تحظر المظاهرات وتمنعها بقانون تسميه "تنظيم حق التظاهر"
وأن ترفع الدعم وتفقر الناس لإرضاء نادى باريس وصندوق النقد الدولى تحت يافطة "إصلاح الاقتصاد والميزانية"
وان تعدم ثورة عظيمة وأحلام كبرى بجرة قلم تحت يافطة "مقاومة الفوضى"
بل وأن تعصف بالثورة باسم "الثورة"
وأن تفرض القهر والاستبداد وتعصف بالحقوق والحريات تحت يافطة "الأمن والاستقرار وهيبة الدولة"
وأن تتهم خيرة الشباب "بالعمالة"
وأن تقتل السياسة بحجة " مكافحة الارهاب"
وأن تحمى النظام ومصالحه وطبقاته ضد أى نقد أو معارضة تحت يافطة "الدفاع عن وجود الدولة"
وأن تعيد نظام مبارك تحت يافطة "خريطة الطريق"
وأن تفرض إرادة السلطة تحت يافطة "الإرادة الشعبية"
وأن تؤمم الإعلام بمنابره الصحفية والفضائية تحت يافطة "الإعلام المسئول"
وأن تطمس الحقائق تحت يافطة "لجان تقصى الحقائق"
وأن تعصف بحقوق الإنسان بقيادة وإشراف "منظمات حقوق الانسان"
وأن تمارس أردأ أنواع النفاق والانتهازية والتأليه تحت يافطة "شعبية الزعيم"
***
انها فلسفة الدولة والنظام والسلطة والقائمين عليهم وحلفائهم والتابعين لهم وأتباع التابعين منذ عقود طويلة.
فلقد استبيحت البلاد للنهب الراسمالى العالمى تحت يافطة "الاستثمارات الأجنبية"
وللنهب الداخلى واحتكار الثروة تحت يافطات "رجال الأعمال والاقتصاد الحر وريادة القطاع الخاص"
وكل أنواع التبعية للأمريكان مورست تحت الشعارات الوطنية و "تحيا مصر"
وتم بيع فلسطين باسم "السلام"، ورفعت يافطة "اسرائيل" فوق أرضها الطاهرة.
وتم العصف باستقلال مصر وسيادتها وكرامتها تحت يافطة "مصر أولا"
وتم تجريد ثلثى سيناء من القوات والسلاح تحت يافطة"مصر دولة كبيرة تحترم التزاماتها الدولية"
وحماية امن اسرائيل تحت يافطة "الأمن القومى لمصر"
ورفع قادة التفريط والتبعية والاستسلام يافطات "أبطال الحرب والسلام و الضربة الجوية الاولى"
وتم الترويج للتمديد لمبارك او التوريث لجمال تحت يافطة "التعديلات الدستورية 2007"
وتزوير الانتخابات يتم دائما تحت يافطة "أكثر انتخابات نزيهة تشهدها البلاد"
***
كفانا كذبا وتضليلا، فالناس ضجت وزهقت وعلى آخرها ولن تقبل أن تعيش هذا الهم مرة أخرى.