يسألونك عن التوحش .. الإجابة من واشنطن !
بعد (6) سنوات من الجدل ، أفرجت لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الأمريكي عن تقرير ( أساليب التعذيب) التي استخدمتها وكالة الاستخبارات الامريكية بحق المعتقلين المتهمين بهجمات سبتمبر 2001 .
موجز التقرير جاء في نحو (500) صفحة من أصل 6000 صفحة ، وقد اطلع المحققون على (6) ملايين وثيقة ، فيما منع من النشر مئات الصفحات بذريعة الحفاظ على الأمن القومي الأمريكي .
التقرير كشف عن ( الأساليب) المنهجية التي استخدمها برنامج وكالة الإستخبارات الأمريكية في تعذيب نحو 119 معتقلا توزعوا في سجون 54 دولة في العالم وقد تجاوزت هذه الوسائل ال20 وسيلة منها طريقة الايهام بالغرق، و الحرمان من النوم لمدة تصل إلى أسبوع وهم واقفون عراة و مقيدون ،و الصفع و التغذية عن طريق الشرج و الاذلال و الاعتداءات الجنسية و التهديد بالقتل وإيذاء الأهل و إغتصاب الزوجات ...وغيرها .
اللجنة التي أصدرت التقرير ذكرت بأن برنامج التعذيب كان )سريا) ولم تطلع عليه الحكومة ولم يعلن عنه للرأي العام، كما أنه لم يكن مجديا، حيث أن بعض المعتقلين نجحو في تحديه فيما اعترف آخرون بمعلومات مهمة من دون التعرض للتعذيب ، وقد خلص التقرير الى وضع (20) مخالفة ارتكبها المحققون منها ما يتعلق بظروف الاعتقال القاسية ، وتسريب معلومات غير صحيحة الى وسائل الاعلام ، وتسبب البرنامج في إلحاق الضرر بسمعة أمريكا ، ومنها ما يتعلق بحجب المعلومات عن الكونغرس ووزارة العدل وعدم استعداد الوكالة بما يكفي حين باشرت عميلة الاعتقال...!!
أما الردود عليه فقد تراوحت بين ( الصدمة) و الرفض و المطالبة بمحاسبة المتورطبن وضرورة الاستفادة من الأخطاء لعدم تكرارها، عضو في الكونغرس علق قائلا بأن ما ورد في التقرير ( تقشعر له الأبدان) ، اخر قال بانه “وصمة عار في جبين امريكا” ، أوباما اعتبره انتصارا للقيم الأمريكية ووعد بأن لا يتكرر ، أما مهندس ( الاستجواب) فقد اعتبره (كومة من الهراء)،
ما ورد في التقرير لم يكن سرا فقد سبق لأحد أساتذة القانون في بريطانيا ( أسمه فيليب ساندز) أن أصدر كتابا عن الموضوع (طريق التعذيب : مذكرات رامسفيلد) كما أصدر جميل جعفر و أمريت سينغ كتابا عن” إدارة التعذيب من واشنطن الى أبوغريب “، إضافة الى كتاب” أمريكا ، أبوغريب و الحرب على الإرهاب” لمارك دانر، كما أنه سبق لمسؤولين أمريكيين أن اعترفوا بذلك ،وسبق أن اتهمت ادارة ( أوباما) بإعاقة نشر التقرير .
التقرير - بالطبع- لم يكشف كل ( الأسرار) ، كما أنه اعتمد على وثائق المخابرات الامريكية فقط ولم يستند الى شهادات الضحايا ، واسقط عن المتهمين المسؤولية الجنائية ، ولم يكشف عن الدول التي ساعدت الوكالة في عملية التعذيب.
لايمكن - أبدا- أن نصدق بأن ثمة دافعا ( أخلاقيا) وراء نشر التقرير ، فسجل أمريكا في التعذيب حافل وقديم ومازال حاضرا في الذاكرة و في الواقع أيضا ، لكن يمكن فهم عملية الكشف في إطار الصراع الدائر بين الجمهوريين و الديمقراطيين خاصة وقد اقترب موعد الانتخابات الرئاسة ، كما أنه يمكن أن يكون رسالة تهديد وتنبيه لأكثر من 54 دولة شاركت في التعذيب لكي لا تبقى التهمة مرتبطة بأمريكا فقط، وربما يفهم ( تأخير) صدور التقرير في سياق ما يدور من خلافات بين الكونغرس ووكالة الاستخبارت و غيرهما من مراكز صناعة القرار في أمريكا.
لم نسمع أية أصداء للتقرير في عالمنا العربي ، رغم أن المعتقلين الذين تعرضوا للتعذيب يحمل معظمهم الجنسيات العربية و الاسلامية ، فقد احتجز نحو (500) شخص في غوانتانامو من 45 جنسية ، ولم يتهم منهم سوى (9) فقط ، فيما ذكر التقرير أن الذين تعرضوا للتعذيب (119) فقط بعضهم اعتقل بطريقة الخطأ.
لا اعتقد أن لدى أي مواطن عربي أو مسلم شهية (للتعليق) ، أو أن أحدا منهم تفاجأ من هذا ( التعذيب) المعولم الذي يعكس أسوأ ما انتجته الحضارة الغربية من قيم ،وأسوأ ما تمارسه الأنظمة التي سلمّت رقابها للآخر واعتمدت عليه، لكن لدي ملاحظة( مفارقة : ادق) وهي ان داعش تعاملت مع بعض المعتقلين لديها باستخدام اساليب التعذيب اياها (تصور كيف يستلهم الضحايا من جلاديهم؟) كما ان لدي سؤال واحد وهو : الى أي مدى ساهمت مثل هذه الانتهاكات اللانسانية في انتاج ( التطرف) والعنف الذي تتصدر امريكا العالم الان لمواجهته ، ثم هل التطرف ماركة عربية واسلامية بامتياز ام أن هذا التعذيب المبرمج يعكس صورة أبشع للعنف الذي يمارسه الآخر دون أن يحاسبه أحد ؟
تسألون من أين دخل إلينا هذا ( التوحش) ؟ الإجابة جاءتنا من واشنطن ومن 54 عاصمة أخرى تورطت معها الأسف.
الدستور 2014-12-11