هل يتم تعديل حدود "سايكس- بيكو"؟
منذ بدأ التحالف الدولي ضد ما يسمى بالدولة الإسلامية (داعش) والأحاديث تتردد حول وجود مخطط دولي لإعادة رسم خريطة المنطقة والتي كانت في الأصل ثمرة اتفاقية سايكس – بيكو التي رسمت حدود دول المنطقة بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى. لم يظهر النقاش حول هذه المسألة إلا بعد استمرار الخلافات السياسية والعنف الناتج عنها بالعراق، واستمرار النزاع المسلح في سورية بين فصائل المعارضة والنظام والذي أخذ في الحالتين طابع الصراع السياسي المذهبي في البلدين.
هذا لا يعني أن دولاً أخرى ليست معنية، لكن الذي دفع بهذا الموضوع للنقاش هو حتماً التطورات في سورية والعراق. والخطاب العلني، والرسمي العالمي، والإقليمي، والعربي كلها تؤكد على أن هذه الدول هي مع وحدة الدولة في سورية والعراق وغيرهما من الدول. ولكن مايدور في الأروقة والنقاشات خلف الكواليس يتم فيه الحديث عن نهاية محتومة لحدود "سايكس- بيكو" في المنطقة وتناقش تطورات محددة حول تشكل هذه التقسيمات.
أكثر من مسؤول أجنبي وخبيراء دولي واقليمي تم الالتقاء بهم في الأيام الماضية، وطرحوا هذا الموضوع وإن كان بأشكال مختلفة. بالطبع المشاعر الشعبية والقوى السياسية هي وحدة هذه الدول، ولكن يبدو أن الواقع في عدد من الدول العربية التي تشهد نزاعات قد تجاوز هذه الطروحات.
أول ما يتبادر للذهن في هذا الموضوع هو وجود مؤامرة كونية لتقسيم المنطقة الى دويلات خدمة لمصالحها ومصالح إسرائيل، بالطبع من الصعب تجاهل هذا الموضوع أو إنكار احتمالية وجوده، ولكن يجب التأكيد أنه من شبه المستحيل أن تفرض هذه القوى تصورها من دون وجود قوى محلية تسير في هذا التوجه. الجديد في هذا الموضوع هو فشل التنمية العربية في بناء دولة حديثة لكل مواطنيها والذي أدى تاريخياً الى إقصاء بعض المكونات لهذه الدول وإنكار حقوقها، ما خلف حالة من الشعور بعدم المساواة والاضطهاد لدى فئات واسعة كالأكراد والسنة في العراق وسورية وغيرها من الأقليات الدينية والقومية.
هذا الشعور وهذه الحالة أديا الى أن تفكر بعض هذه المكونات في إيجاد أُطر سياسية. والحالة الصارخة في العراق هي إقليم كردستان الذي حصل على حكم ذاتي بعد الاحتلال الأميركي للعراق، ولكن علاقته مع المركز ضمن الصيغة الفيديرالية الحالية لم تنجح، واستمر التوتر حتى الآن. ولم يعد سراً أن القوى السياسية الكردية تضع نصب أعينها إقامة دولة كردية في شمال العراق والتي قد تمتد لتشمل المناطق الكردية في سورية والدول المجاورة الأخرى.
العقبة الرئيسية لإقامة الدولة الكردية تاريخياً كانت تركيا لخشيتها من إقامة دولة كردية معادية لها من جانب، وخوفها من مطالبة أكرادها بدولتهم أو بالانضمام للدولة الوليدة. ولكن الدول تغير في سياساتها حسب مصالحها، إذ تعتبر تركيا الشريك الأكبر من الناحية الاقتصادية لإقليم كردستان والذي قد يؤدي بتركيا الى قبول دولة كردية لها تحت هيمنتها الاقتصادية، لأن ذلك أفضل بكثير من قيام دولة كردية على حدودها إذا توافر لها الدعم الدولي وهو موجود. وبالرغم من موقف إيران المعلن ضد الدولة الكردية، إلا أنها قد لاتمانع إذا ما تم ذلك من خلال صفقة تُؤمّن لها هيمنتها في جنوب العراق. في كلتا الحالتين، فإن إقامة دولة كردية قد يساعد هذه الدول في التعامل مع أقلياتها الكردية من خلال حكم ذاتي أو ماشابه ذلك.
بالمقابل، فإن هناك العديد من القوى السنية بدأت تطالب بإقليم سني في غرب وشمال العراق، وإذا ما حصل ذلك، فإن التقسيم يصبح أمراً واقعاً في العراق. إن تقسيم العراق ليس قدراً محتوماً ولكن احتماليته موجودة وإذا ما تم فسيفتح الباب على تقسيم سورية كذلك. إن الثابت الوحيد هو المصالح، وكل ما عدا ذلك قابل للتغير بما فيه الحدود. إن فشل الدولة العربية الحديثة بأن تكون لكل مواطنيها هو أحد العوامل الرئيسية التي تؤدي لرغبة فئة معينة في الانفصال، وكان هذا الحال بالسودان وإذا ما تم تقسيم العراق، فإن المسألة لن تتوقف هناك، وستكون سورية هي التالية، ولكنها لن تكون الأخيرة.
الغد 2014-12-11