زياد أبو عين.. شهيد «العرس الفلسطيني»

تم نشره السبت 13 كانون الأوّل / ديسمبر 2014 01:37 صباحاً
زياد أبو عين.. شهيد «العرس الفلسطيني»
عـادل أبو هـاشـم

ليس من السهل أن يكتب المرء عن زياد أبو عين، فالرجل ليس شهيدًا وحسب، إنه قائد ومناضل وأسير محرر، وهو فوق ذلك يتدفق بحب الأرض التي ترجل من أجلها. كل كتابة عنه ستكون ناقصة، لأن قضيته لم تكتمل بعد.
ذلك أن «أبو طارق» لم يكن في حياته وفي التـزامه مجرد شخص اختار طريق الجهاد والنضال والمقاومة، بل كان إلى جانب ذلك نموذجـًا بارزًا لجيل فلسطيني كامل هو جيل مقاومة المحتل من خلال الكفاح المسلح، ومن خلال تمثيله هذا الجيل، ومن خلال تعبيره عنه بالبندقية المقاتلة والعبوة الناسفة اكتسب قيمته كمناضل ومعلم ورمز لهذا الجيل.
أن يستشهد زيـاد أبـو عـين فهذا أمر طبيعي، فلقد استشهد في كل لحظة من لحظات حياته القصيرة زمنيـًا، الطويلة جهادًا ونضالا، فسيرة نضاله من أجل وطنه وشعبه وقضيته العادلة كان الاستشهاد نهايتها الطبيعية، وسيرة نضاله هي في الواقع حياته العملية كلها.
لقد طلب «أبو طارق» الاستشهاد لنفسه، وعمل له، وسعى إليه، لأنه آمن به.
آمن بأن العمل لفلسطين لا حدود له، وأن فجر النصر آت لا محالة رغم الظلام الحالك الذي يلف الأمة، وأن الدم والمشاركة في الجهاد ضد المحتل لا تكون من بعيد، وأن هناك طريقـًا آخر غير طريق الخنوع والاستسلام، أو القبول بالفتات أو انـتظار ما يسمح به العدو الإسرائيلي بالتـنازل عنه ألا وهو طريق الجهاد والاستشهاد.
لقد آمن زيـاد أبـو عـين أن مقاومة المحتل لا معنى ولا أثر لها إذا لم تتجسد بالممارسة والسلوك اليومي، وأن مقاومة المحتل لا تتحمل المواقف الوسطية، ولا المهادنة، ولا التأجيل، ولا الاستراحة، وأن الكلمة الثائرة لا تعرف المواربة، ولا الدبلوماسية، ولا التلفيق، ولا الاصطناع!
لقد كان في زيـاد أبـو عــين من صدق المناضل وجرأته ما يعجز الواقع عن تحمله، فيثير فيه من خلال تصديه غول الاستيطان والجدار موجات متلاحقة من التأزم، فيجعل هذا الواقع قلقـًا مستـنفرًا يبحث عن الحقيقة بكل ما فيها من مرارة، وعن الخلاص بكل ما فيه من تضحيات.
كان زيـاد أبـو عـين صورة من صور الحياة النابضة بالمقاومة والوطنية والطموح الخلاق، يرنو إلى العلا في كل مجال من مجالاته، ويتقن فن الجهاد والمقاومة ويحفظ دروسها عن ظهر قلب، ويلقنها أبناء شعبه البطل. لقد كان تلميذًا وأستاذا في آن واحد.
فقد عظم المقاومة في فكره وعقيدته، وقدر العمل في نضاله وكفاحه اليومي، وسبق الآخرين بنظره الثاقب، فكان فارسـًا يجيد السباق في كل ميدان من ميادين الجهاد والنضال والعمل الوطني.
كان زيـاد أبـو عـين صاحب حجة قوية وعقل منظم وذهن وقاد، تتدافع الأفكار في رأسه كأمواج البحر، تتلاطم بعنف لتعود مرة أخرى إلى الأعماق في حركة مد وجزر واعية مستمرة لا تـنقطع أبدًا.
ويبدو أن العدو الصهيوني قد سبقنا بتقييم أهمية زيـاد أبـو عـين في حياته، حتى أخذنا الآن ندرك حقيقة عظمته بعد استشهاده، فالعدو أدرك أن زياد كان عاملا رئيسا في جعل قتاله محببـًا للجماهير، مما يعني أن بقاءه سيكون من العوامل المساعدة على ديمومة المقاومة الشعبية، واستعداد الجماهير ورغبتها في أن تمدها بالمزيد من المناضلين. من الصعب أن أرثي الشهيد زيـاد أبـو عــين بالكلمة، ومن الصعب أن أرثيه بالدمع الساخن لأن مآقينا جفت منذ عشرات السنين. جفت مآقينا منذ أن وطأت أول قدم صهيونية أرض وطننا الحبيب.
جفت مآقينا منذ أن سقط أول شهيد فلسطيني برصاص العدو الصهيوني. فلن نرث بعد اليوم شهداءنا، بل سنثأر لهم من قتلتهم، من عدونا الأبدي والأزلي سارق أرضنا وأحلام طفولتـنا.
عاش زيـاد أبـو عـين حياة قصيرة، ولكنها عريضة كما يقولون، ولم يكن ابنـًا بارًا لأهله وعائلته وشعبه ووطنه بالمفهوم الأخلاقي للكلمة فحسب، ولكنه كان ابنـًا بارًا لشعبه ووطنه بالمفهوم الإبداعي للمقاومة أيضـًا.
لقد علمنا زياد دروسـًا كثيرة في الانسجام والصدق والاحترام من أجل قضيتـنا العادلة، وأول ما علمنا إياه هو أن الفلسطيني يفقد ذاته وحضوره الإنساني في العالم والكون إذا كف عن أن يكون فلسطينيـًا.
ستبقى كل كتابة عن زيـاد أبـو عـين ناقصة، لأن قضيته هي قضية الشعب الفلسطيني كله، هي قضية الجيل الذي يصنع المسيرة، وهي قضية لم تكتمل بعد. لقد كان زيـاد أبـو عـين في حياته شعلة مضيئة في زمن الظلام العربي الدامس، فرسم لنا الطريق، وأثبت بدمائه الطاهرة أن الشعب الذي يزرع أرضه بالتضحية لا بد وأن يحصد النصر. لقد خسرنا زيـاد أبـو عـين بإخلاصه وشجاعته وقدرته وجرأته، وبصوته المشجع ونبرته المحذرة وقلبه الواسع، وبصموده وعطائه الذي لا يلين، وخسرنا الأخ، ولسوف نفتقده كثيرًا، ونفتقده طويلا.
لقد استشهد زيـاد أبـو عـين وتركنا فجأة، ولكنها ليست مفاجأة على الإطلاق أن يستشهد «أبو طارق»، فالذي يعيش حياته كلها مناضلا تكون الشهادة نصب عينيه دائمـًا، وحين تأتي، تأتي كجزء من العمل، تأتي كرمز لهذا العمل، تمامـًا مثل الرمز الذي حمله معه في كل لحظة من لحظات حياته، كل ما فعله زيـاد أنه أكمل الرمز حتى النهاية.
فهنيئـًا لك الشهادة ووسامها يا زيـاد، ونم قرير العين، فإن رحلت عنا فسينبت فينا ألف زيـاد أبـو عـين، نجوم في سماء الوطن وعنوان الأمل القادم، ولتظل ذكراك أنشودة فلسطينية متجددة على لسان الأطفال والأمهات، يزرعنها في الأبناء جيلا بعد جيل حتى تحين ساعة النصر بإذن الله.
زيـاد أبـو عـين..
ونحن نستعيد مسيرة جهادك ونضالك وتضحياتك واستشهادك، ونحن نغمض أجفاننا على طيفك، ونضمك إلى جوانحنا، نكتب لزوجتك الفاضلة الصابرة السيدة «أم طارق» وأبنائك، وللحزانى من شعبك وأهلك وإخوانك وأصدقائك ما كنت أنت ستقوله لهم جميعـًا في مثل هذا المجال، حول استشهاد مجاهد عنيد من مجاهدي شعبنا البطل.
اليوم عرسك «أبو طارق» في جنة الرحمن..
في مقعد صدق عند ملك مقتدر..
اليوم يستقبلك الشهداء الأبرار والصديقون والصالحون.. وحسن أولئك رفيقـًا.
هذا هو العرس الذي لا ينـتهي.
في ساحة لا تـنتهي.
في ليلة لا تـنتهي..
هذا هو العرس الفلسطيني.
لا يصل الحبيبُ إلى الحبيبْ.
إلا شهيدًا أو شريدًا.

(السبيل 2014-12-13)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات