إعمار غزة التزام لا يتحقق

بعد كل عدوان يشنه «الكيان الصهيوني» على قطاع غزة يأتي التفكير فى كيفية إزالة آثاره على البشر والمباني، وبعد انتهاء العدوان الأخير على غزة ومرور أكثر من ثلاثة أشهر على انتهاء «مؤتمر القاهرة» للدول الداعمة لإعادة إعمار قطاع غزة؛ لا يزال آلاف الغزيين الذين تضررت منازلهم جراء تلك الحرب «الإسرائيلية» المسعورة دون مأوى يحميهم برد الشتاء وعواصفه الهوجاء.. كما لا يزالون بانتظار شحنات مواد البناء الموعودة. إن ما يدخل من كميات «وفق آلية الأمم المتحدة المعتمدة» لا يكفي لإيواء المشردين والمتضررين؛ كما أن ما يدخل يعتمد على الكرم الإسرائيلي وما تسمح به، والذي يمر بعدها عبر آلية تدقيق شديدة من قبل الأمم المتحدة بما يعيق الإعمار ويرفع منسوب المعاناة!
غزة الظافرة، انتظرت طويلا -بعد صمودها الأسطوري وإنجازها الجهادي- مبادرة ما تنهي حصار السنين العجاف وقسوتها، وأن تتنفس من كافة منافذها البحرية والبرية والجوية.. وان تدور فيها عجلة الإعمار والاستثمار والاقتصاد بما يرفع عن كاهلها وطأة الفقر والبطالة وقد ارتفعت معدلاتهما بنسب فلكية!
ولكن حقيقة ما جرى جاء مناقضا لكل منطق ولكل ما انتظرته غزة، خاصة ممن يفترض أنهم أولياء الدم (من فلسطينيين وعرب). فبعد وقف إطلاق النار مباشرة وقبل أن ينتهي الغزيون من إحصاء شهدائهم وجرحاهم وتفقد خرائب بيوتهم سرعان ما عادت «ريما لعادتها القديمة» فشن «محمود عباس» وحركته وأجهزة سلطته حملة إعلامية واسعة ضد حركة حماس والمقاومة عموما، وصلت حد اتهامها بالخيانة ليس فقط للرأي العام الفلسطيني بل للمصالح الوطنية الفلسطينية. وأما عن استحضار الذرائع لتبرير تضييق الخناق على الغزيين فحدث ولا حرج؛ ومن ذلك إصرار «حكومة السلطة» على إبقاء الضريبة على المحروقات للمحطة الوحيدة في القطاع، بما يؤدي إلى العجز عن دفع فاتورة الوقود، فتزداد ساعات الإظلام؛ وإصرارها على نهجها في إدارة الظهر وعدم دفع رواتب الموظفين؛ فهل يستقيم الإعمار مع هكذا سياسات؟
أما عربيا فهذا «زعيم الانقلاب» في مصر يغازل «إسرائيل» والسلطة معا فيشترط لنجاح «ترميم غزة» الهدوء الدائم، وعودة السلطة بكامل الصلاحيات الى قطاع غزة ومعابره. ومن المفارقة أن تتناغم هذه التصريحات والمواقف المجانية «الفلسطينية والعربية» مع أصوات «إسرائيلية» عديدة تعتبر أن «إعمار غزة» هو المعادل الموضوعي لترميم الإرهاب وتحديدا «إرهاب حماس»؛ وأن الطريق الوحيد لإعادة الإعمار لا تمر عبر البنك وانما عبر إخراج حماس من الصورة.
فكانت النتيجة تشاؤما فلسطينيا ازاء الإعمار والحصار.. فمع تكرار حروب «إسرائيل» اللاأخلاقية على غزة وما ترتكبه من جرائم ضد الإنسانية فإن خبرة الغزيين التراكمية مع مؤتمرات المانحين تؤكد أنها لم تكن سوى عمليات دعائية، ومحاولات فاشلة لستر بعض من الانحطاط الأخلاقي الذي يطوقنا من كل جانب.
فإن كنا جادين في «همروجة الإعمار» فلنضع النقاط على الحروف.. صحيح أن الاحتلال هو بيت الداء، ولكن ترتيب البيت الداخلي يبدأ بالتصدي للتصهين المتكالب لرهط المارقين والكذبة من بني جلدتنا!
(السبيل 2014-12-13)