صفقة الغاز الإسرائيلي أكبر من جدل قانوني!

رغم وجاهة آراء دستوريين وقانونيين، أفتوا بعدم إلزامية توصية مجلس النواب للحكومة بعدم التوقيع على اتفاقية استيراد الغاز من إسرائيل، فإن موقف الغالبية النيابية ضد الاتفاقية، حتى لو بقي في بعده السياسي، لا يجوز القفز عنه من قبل الحكومة، التي تستمد شرعيتها، كما يفترض، من هذا المجلس.
قد يحق للحكومة أن تحاجج، في قضايا وقرارات كثيرة، بولايتها الدستورية وصلاحياتها القانونية، حتى لو تعارضت هذه القرارات مع إرادة مجلس النواب، فهذه أصول اللعبة السياسية وشروط الفصل بين السلطات، إلا أن قضية خطيرة واستراتيجية بأهمية استيراد الغاز من كيان ما يزال يناصبنا العداء ويضرب مصالحنا السياسية والقومية والوطنية في الصميم، ورهن عصب الطاقة للمملكة بيد هذا العدو، هو أمر يفسر، بل ويمنح النواب الشرعية السياسية والوطنية، للتدخل بقوة في قرار الحكومة، ورفضه، فيما يستدعي من الحكومة أن ترضخ لرأي الأغلبية النيابية.
موقف الغالبية النيابية تجاه استيراد الغاز من إسرائيل، يستند إلى رأي وموقف غالبية في الشارع الأردني لا تخفى على المراقب. فرغم وجاهة الحجج والأسباب الاقتصادية التي تقدمها الحكومة للجوء إلى خيار الغاز الإسرائيلي، فإن الموانع والتحفظات السياسية والاستراتيجية لإتمام مثل هذه الصفقة تبدو أكثر إقناعا واستقطابا للمؤيدين في الشارع الأردني، وبين نخبه الشعبية؛ من نواب وأحزاب وحراكات ونقابات مهنية، وفاعليات سياسية ومجتمعية.
الجبهة المعارضة لاستيراد الغاز من إسرائيل، تنطلق اليوم من حقيقة لا يمكن تفنيدها، وهي أن إسرائيل، رغم اتفاقية السلام معها منذ العام 1994، ما تزال العدو رقم واحد للأردن، وسياساتها وإجراءاتها العدوانية على الأرض ترسخ هذه الحقيقة لدى الأردنيين والعرب، خاصة مع ابتعاد "حلم السلام" وهيمنة اليمين الإسرائيلي المتطرف الحاكم وتنكره للحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني وضمنها إقامة دولته المستقلة، وهي التي تقع على رأس المصالح الوطنية الأردنية.
فيما لا يقل البعد الثاني لرفض توقيع اتفاقية الغاز مع إسرائيل أهمية عن الأول؛ وهو بعد أمني استراتيجي. فمثل هذا الاتفاق الذي يمتد لـ15 عاما مقبلة، يرهن قطاع الطاقة في المملكة لإسرائيل، ويمكّنها من التحكم برقابنا استراتيجيا، باعتبارها ستكون المتحكم بمفتاح الطاقة في بلدنا.
الحكومة تحاجج اليوم بأنها تلجأ لتوقيع هذه الاتفاقية، لانعدام الخيارات الأخرى أمامها لتأمين الغاز، وحاجتها إلى توفيره لتوليد الكهرباء بكلف معقولة مقارنة بمصادر الطاقة الأخرى. بل وهددت الحكومة بصورة غير مباشرة، المعارضين، من أنها ستضطر في حال لم تستورد الغاز الإسرائيلي، إلى رفع أسعار الكهرباء على المواطن، أو اللجوء إلى قطع التيار الكهربائي لفترات طويلة يوميا!
وتقفز الحكومة عن سلسلة خيارات أخرى، يقدمها معارضو الاتفاقية مع إسرائيل، بل ويبدو أنها لا تتوقف طويلا عند بحثها أو النظر في إمكانية تحقيقها ليكفينا الله شر إسرائيل وغازها المسروق من أرضنا ومياهنا الفلسطينية والعربية.
وأخيرا، فإن كانت الحكومة قد حسمت خيارها بتوقيع الاتفاقية مع إسرائيل، غير مكترثة برأي الغالبية النيابية، ومن خلفها جبهة وطنية واسعة معارضة لهذا التوجه، فليس أقل من تقدم النواب، والغالبية النيابية تحديدا، بخطوات قانونية ودستورية أخرى، لإلزام الحكومة بالرضوخ والتراجع عن رهن قطاع الطاقة لإسرائيل لعقدين مقبلين!
(الغد 2014-12-15)