ما تبقّى من الخَجَل !

العربي الذي لُدغ من الجُحر ذاته عدة مرات لم يتلقّح ضد تكرار الخطأ بل اخذته العزة بالاثم مما يذكرنا بعبارة شهيرة للفيلسوف سانتيانا الذي قال بأن من لا يقرأ الماضي ولم يعتبر من دروسه قدره ان يعيد الأخطاء مضاعفة بحيث تصبح خطايا، وحين نتحدّث عن العربي لا يعني ذلك ان العرب جميعا متجانسون في وعيهم ومواقفهم وقدراتهم على الاستدراك لكن الأقلية المستثناة من التعميم تراوح بين الخوف وشدة الحذر من تقويل مواقفها بحيث تعاقب مرّتين، مرة من استبداد رسمي ومرة من استبداد شعبي وهو ما يعبر عنه بديكتاتورية الشارع، وما حدث خلال السنوات الأربع التي تحولت كل سنة منها الى ام اربع وأربعين يقدم لنا عيّنات من انفجار المكبوتات على اختلاف اشكالها من السياسي الى الطائفي ومن الجنسي الى الاقتصادي والنخبة المنوط بها ترشيد الوعي وعقلنة اسباب الفوضى ودوافعها لاذت إما بالصمت او بالفرار وظنت انها تراهن على نيل الحسنيين لكنها فقدت المشيتين فلا غرابا بقيت ولا حمامة اصبحت، وصارت كالمنبتّ الذي لا نظاما أبقى ولا ثورة قطع !
لكن ما ان هدأ الشارع قليلا وتحولت اسئلته الى مساءلات اخلاقية وقانونية حتى خرجت النخبة عن صمتها، لتركب الموجة مرة اخرى، وتعلن موقفها بعد فوات الاوان، لأنها دأبت على نقد النظم بعد سقوطها ونقد الزعماء بعد الفراغ من دفنهم .
لقد اصبح واضحا ان العربي الذي عبثت اصابع عديدة ببوصلته لم يعد يريد اسقاط اي شيء غير فقره وبطالته واميّته وهذا الثالوث تنامى وتفاقم بمعزل عن اي رصد، لهذا فان ما سمي ربيع الشباب انتهى الى انتخاب رجال طاعنين في السن والخبرة، بحثا عن الاستقرار ولو في حدّه الأدنى، فالبشر في النهاية رغم انهم يحلمون سرعان ما يعودون الى فحص التراب الذي تقف عليه اقدامهم، وهم لا يسكنون الاناشيد والقصائد ولا يعجنون الشعارات كي يأكلوا ويطعموا ابناءهم .
ولا ندري من يعتذر لمن ؟ الأصل ام الصورة، والصوت ام الصدى ، فشرّ البلية لا يُضحك فقط بل يبكي ايضا، لأن من احترفوا امتطاء الموجات يسطون على مواقف غيرهم وينسبونها لأنفسهم وكأن العالم اصبح كله مصابا بوباء الزهايمر السياسي ! ورغم كل التعريفات التي قدمت عبر التاريخ للانسان بدءا من تعريف ارسطو بانه حيوان سياسي الى التعريف الشائع عن كونه حيوانا ناطقا، فإن المحذوف من هذه التعريفات هو أهمها وهو ان الانسان حيوان يعرف الخجل فكم تبقّى من هذا التعريف في حياتنا؟
(الدستور 2014-12-16)