يا أول الدحنون
قد يكون ، أن شباطاً شهر مزاجي بامتياز ، مفرط في مزاجيته وتلاعبه ، كطفل (نغنغه) الدلال ، قد يكون أن شباطاً شهر متقلب لا قرار ليومه: فساعة يخبئ شمسه في قطن الغيمات ، وتارة يعلنها قرصاً شهياً لذة للبردانين الهاربين من رطوبة البيوت وسجنها. قد يكون أن شباطاً شهر لا تؤمن ثلجاته ، أو مواعيد زخاته وهطلاته ، لكنه شهر أكبر من مجنون ، وأكثر من حنون ، فحتى لو (شبط) أو (لبط) ففيه توشحنا رائحة الربيع.
فيا أيها المحبون للأرض والحياة. أيها العاشقون لشهقة الربيع الأولى ، هذا دحنونكم الجريء ، الأجرأ من قلوب العاشقين ، ها هو يبزغ من جديد ، في رحلة ستكون قصيرة مخطوفة ، كقبلة عند عتبة باب. ولذلك يسمى الدحنون (زهرة الريح): لأنه ما يلبث أن يرحل سريعاً ، ويطير بعيداً كالذكريات ، فتعالوا نقع في عشق هذا الأحمر الملتاع ، ونقرأه شعراً ونثراً وصفاء ، فما زالت هناك أشياء صغيرة تكبر لنا الحياة وتجملها وتعظمها في نفوسنا. فهل راقبتم الدحنون كيف يهيج كعاشق هزه الحنين؟،.
وعندما مرَّ ملك الحيرة النعمان بين المنذر بن ماء السماء قرب الكوفة ، رأى أرضاً واسعة تنبتُ زهراً جميلاً أحمر: فاستحسنهُ ووقع في غرامه ، فقال لجنوده: احموه،: ومن يومها وأزهار الدحنون تسُمى (شقائق النعمان) ، ويُقال أيضاً أن كلمة النعمان من أسماء الدم في بعض لغات العرب ، والشقائق قطعه ، فتكون شقائق النعمان بمعنى: قطع الدم ، وكأنهم يريدون أن هذا الدحنون ليس إلا دم العشاق ، الذي يخرج في كل عام متجددا: ليوقع الآخرين بعشق الحياة... ربما،،.
ولهذا وقبل أن أقطف دحنونة ، أمسح عن تاجها قطرة ماء: لأغسل دمع قلبي ، وخوف خريفْ آتْ ، فيا ترى ، حزنُ من هذا الأحمر؟،. أو دمُ من وشَّى الأرض ذات حنين؟، ، وأيُّ صدىً هذا الذي يحملهُ النهر نهاية الشتاء؟، ، أهو دم عاشقْ مسفوحْ ، كان يرعى قطعان الغيم؟، ، ولهذا كانت الصبايا تكدُّ ، وتضفًّر الدحنون ، وترميه في النهر المخضب: ليمتد الشتاء بطول دمعتين ، والربيع بعمر زيتونتين،، .
ربما عليك أن تكون أكثر جرأة ، تترك صداقة المدفأة ، وتهب إلى أمنا الأرض ، تتمتع بموسيقى الدحنون الراقصة،،: نهاركم سعيد.