خالفني الرأي .. ولكن احفظ حقي في الاختلاف
"تنتهي حريتك عندما تبدأ حرية الآخرين"، مقولة طالما استمعنا لها، وحضرت على ألسنة نواب، ووزراء، وساسة، وعديد من الشخصيات العامة.
المشكلة أن المقولة تلك تحضر عندما يريد أولئك مهاجمة مجموعة فكرية قد تختلف معهم في الرؤى ووجهات النظر، فيجد أولئك أن اقرب الطرق للهجوم استحضار تلك المقولة، والعزف على وترها وترديدها، والتذكير بها.
لطالما سمعنا وزراء ونوابا يردون على وجهات نظر تبرز من مجموعات ضغط حول موقف ما يعارض وجهات نظرهم باستحضار تلك المقولة، والتذكير بها، والمشكلة أن أولئك يستحضرون كلامهم رفضا للآخر، وليس احتراما لمبدأ الحرية والاختلاف في وجهات النظر المكفول بكل الشرائع.
قصتنا ليست في المقولة بحد ذاتها، وما تحمله من معان راقية تدل على الحرية، ودعوة للحفاظ عليها لك وللآخرين، ولكنّ مشكلتنا تكمن في البعض الذي يريد إسقاط تلك المقولة بشكل خاطئ لفرض وجهات نظر، دون احترام لوجهات نظر الطرف الآخر، ودون التفات لما يحب الآخر وما يكره؟، ودون ان يكون لحرية الآخر وجود عنده!!.
مشكلتنا تكمن في أن البعض منا يعتقد أنه يمتلك كل الحقيقة، وينصبّ نفسه مدافعا عن حقيقة يعتقد بها هو، ولا يريد أن يقتنع أن ما يقتنع به هو ليس بالضرورة أن يكون مقنعا للجميع، ولا يريد الاعتراف أن هناك فئة أخرى حتى لو كانت صغيرة، تعتقد بخلاف ما يذهب إليه، وترى عكس ما يراه.
ذاك يظهر واضحا عند فريق حكومي، يرى أن كل ما تقوم به الحكومة، عين الصواب، ربما هذا من حقه باعتباره جزءا من فريق متكامل، ولكن المشكلة تكمن في رفضه لوجهات النظر الأخرى، وعدم التعاطي معها ومهاجمتها، وتصوير أصحابها إما أصحاب أجندات خارجية، أو فئات صغيرة، لا أثر لهم، وفي هذا رفض لمبدأ الحرية والحفاظ على حريات الآخرين وحفظ حقهم في الاختلاف.
هذا يظهر مثلا عند كل وزير تنمية سياسية في الحكومة الحالية او الحكومات الأخرى، فهؤلاء يعتقدون دوما أن مشكلة الاحزاب تكمن فيها ذاتها، ولا يرون أن المشكلة مثلا في القوانين التي تضعها إما حكومته التي يشارك فيها، أو حكومات أخرى وضعت قيودا على الأحزاب، وكرّست مفاهيم في قانون الانتخاب جعلت الأحزاب بعيدة عن التنمية السياسية الحقيقية، فيهرب من الاعتراف بتلك الحقيقة إلى مهاجمة الاحزاب والتحطيب عليها، دون أن يعترف أن العملية الانتخابية الديمقراطية الحقيقية يجب أن تبنى على الأحزاب، وليس على أي أمر آخر.
بطبيعة الحال فإن استحضار حالة وزراء التنمية السياسية لا يعفي الوزراء الآخرين من حقيقة رفضهم للاخر، وعدم الاعتراف به، أو حفظ حقه في القول والكلام والتعبير أو النقد.
ما ينسحب على الوزراء ينسحب على نواب، فبالأمس خرج علينا نائب ناقدا رافضا إقامة مهرجان جرش مثلا، ومن المؤكد أن هناك فريقا نيابيا يؤيده في رفضه، فوجه سهام نقده للمهرجان وقيام إدارته باستحضار مطربين عرب أمثال نجوى كرم، ومحمد عساف وعاصي الحلاني واليسا.
الصحيح، أن حقه أن يرفض ما يخالف قناعاته، ولكن ليس من حقه أن يجعل الناس يستمتعون بما يستمتع به هو.
الدولة هي كل المؤسسات والأفراد، والحرية لا تعني أن ترفض الآخر وتهاجمه وتوسعه نقدا، دون أن تترك له فسحة من التعبير عن وجهة نظره، والديمقراطية هي ترك الآخر يقول ما يعتقد ويؤمن به، ومنحه فسحة من المجال ليقول ويفعل ما يريد، هكذا هي الدولة المدنية التي نريد، فنحن لا نريد دولة منغلقة ترفض الآخر، وإنما نريد لأردننا أن يذهب باتجاه المدنية والحضارة والتطور، فقد رأينا ماذا يصنع الانغلاق من أفكار متخلفة، وأفكار متطرفة أحادية لا تقبل الحياة، وما داعش عنا بمثال بعيد، فهل نتعظ؟!!
الغد 2014-12-28