شركاء في الغرم لا الغنم
حتى بعد هذا التخفيض الجيد نسبيا لأسعار المحروقات، والذي تراوحت نسبه بين 12 % و15.5 %، فإن عدالة التسعير لم تتحقق بعد. والمقارنات تشير إلى أن الحكومة لم تصل حتى اليوم إلا إلى ثلثي الانخفاض الحقيقي لأسعار البترول الخام على مستوى عالمي خلال النصف الثاني من العام الماضي 2014، بينما يظل فرق الثلث المتبقي ضمن حصة الحكومة في أرباح ليست من حقها، يدفع ثمنها المواطن من الغلاء الذي يواجهه منفردا.
بلغ سعر برميل "برنت" في حزيران (يونيو) الماضي 103 دولارات. وهبط السعر تباعا حتى وصل في كانون الأول (ديسمبر) الماضي إلى 57 دولارا، أو بنسبة تتجاوز 45 %. وبمقارنة التغيرات السعرية لأسعار بنزين "أوكتان 90" خلال ذات الفترة، نجد أن سعر منتصف العام كان 85.5 قرش للتر الواحد، وتراجع بموجب الخفض الأخير إلى 59 قرشا للتر، أي بنسبة 30 %. وهي النسبة ذاتها فيما يتعلق ببنزين "أوكتان 95"؛ إذ بلغ سعره في حزيران (يونيو) الماضي 104 قروش للتر، منخفضا إلى 73 قرشا اليوم.
إذا أخذنا في الحسبان أن هبوط أسعار النفط الخام عالمياً اقترب من نصف الأسعار التي كانت قبل نصف عام، فإن التراجع التدريجي البطيء في أسعار المشتقات النفطية لدينا، يعني أن الحكومة تمارس دور التاجر في هذا الملف الخطير، وعلى حساب المواطن الذي لم يحظ إلا بتخفيض بنسبة
30 % في الأشهر الستة الماضية، وتم للمرة الأولى خفض سعر أسطوانة الغاز إلى 8.75 دينار. هذا في حين بقيت أسعار معظم السلع والخدمات المحلية التي تصاعدت قبل منتصف العام الماضي، ضمن مستوياتها المرتفعة.
يبدو المواطن، وفقا لهذا النسق غير العادل من العلاقات، ضحية لأسعار غير حقيقية. فهو حتما شريك في الغرم لكنه ليس شريكا في الغنم. وهذه حالة تشير إلى استغلال الحكومة لملف الطاقة بغية تزويد الخزينة بما تحتاج من تدفقات نقدية، حتى لو كانت هذه التدفقات على حساب المواطن. وتتذرع الحكومة بوجود كلف ثابتة لا تتغير مع تراجع أسعار النفط، منها أجور التخزين وكلف الميناء والإنتاج والتسويق، وهي تشكل أكثر من ربع السعر لأي من المشتقات النفطية.
في اليوم الأول من العام الجديد، تحاورت مع سائق سيارة أجرة لنحو ربع ساعة، حول ما يشغل باله والتحديات التي من المرتقب أن يواجهها في هذا العام. فأكد، من دون تردد، أنه لا يفكر إلا في سعر صفيحة البنزين، وقال: الخفض الأخير لا يفي بالغرض، وسعر الصفيحة يعد مرتفعا ما دام فوق عشرة دنانير.
هذا السائق يدرّس ابنا وابنة في الجامعة، وهو في مطلع عقده السادس. ويقول إنه يصل الليل بالنهار حتى يتمكن من دفع "ضمان" السيارة التي يعمل عليها، وتأمين مصروفها الثقيل من البنزين، ليبدأ بعد ذلك رحلة توفير مستلزمات ونفقات العائلة، بما فيها رسوم الجامعات. وهو يطالب الحكومة والقطاع الخاص بآلية تسهم في تغيير أسعار السلع والخدمات التي ارتفعت عندما كان سعر النفط باتجاه صعودي على مستوى عالمي خلال العام الماضي، لكنها لم تنخفض بنسب معقولة -وبعضها لم ينخفض نهائيا- عندما شهدت أسعار البترول الخام هبوطا متواصلا في الأشهر الأربعة الماضية خصوصا.
(الغد 2015-01-03)