لا تنتظروا تغييرا جوهريا
بعد 74 يوما، ستصدر النتائج شبه النهائية للانتخابات الإسرائيلية. وبخلاف جولتي الانتخابات السابقتين، فإن اليمين المتشدد لا يضمن حتى الآن الأغلبية المطلقة التي تبقيه على رأس الهرم الحاكم. إلا أن ملامح المرحلة المقبلة بالإمكان رسمها من خلال الشخصيات الأبرز التي ستكون في مقدمة الأحزاب المرشحة للحكم. ووفق كل السيناريوهات المفترضة، لا يمكن رؤية تغيير جوهري في السياسة الإسرائيلية تجاه حل الصراع.
وحينما نتحدث عن الجوهر، فإن القصد هو تغيير كلي في السياسة الإسرائيلية، والاتجاه نحو الحل، وليس لقاءات مجاملة وابتسامات عريضة، وقرقعة أحاديث عن السلام، بل بالفعل حل ينهي الصراع، بالدولة المستقلة وكل الملفات الجوهرية.
ففي الأسبوع المنتهي، انتخب حزب الليكود لائحة مرشحيه للانتخابات المقبلة. وكانت هناك ضجة إعلامية كبرى، حول عدم نجاح النائب الأكثر تطرفا في الحزب، والذي يقود التيار الاستيطاني فيه، موشيه فيغلين. لكن في المقابل، فإن الوجوه التي وصلت إلى مقدمة اللائحة هي أيضا من ذات التيار، ولا يوجد حتى مرشح واحد بالإمكان وضعه في خانة ما يسمى "اليمين المعتدل". وسقوط فيغلين، كان نتيجة اصطفافات جديدة في داخل التيار الأشد تطرفا.
وفي كل حديث عن الليكود، يجب ذكر أن التطرف والموقف الرفضي للحزب، يبدأ من شخص بنيامين نتنياهو، الذي حقق في الانتخابات الداخلية فوزا مزدوجا؛ رئاسة الحزب للمرة الرابعة، من بينها ثلاث على التوالي بنسبة
75 %، وغياب الشخصية المركزية التي بالإمكان أن تشكل تحديا جديا له في قيادة الحزب في المستقبل المنظور.
لكن حتى إن لم ينجح نتنياهو في الوصول إلى رئاسة الوزراء، فإن المرشحين لخلافته من الأحزاب الأخرى، وبالذات حزب العمل، لا يحملون في جعبتهم هذا التغيير الجوهري الذي نقصده. وإن رأى البعض أن التوجهات في الحزب، بقيادته الحالية، هي "الأفضل" نسبيا، إلا أن هذا الحزب بطبيعة الحال، لا يستطيع تشكيل حكومة بمفرده، ولا حتى مع الدائرة الأقرب له سياسيا، بل سيكون بحاجة إلى كتل برلمانية أخرى. وإذا ما نظرنا إلى الكتل والأحزاب المرشحة للانضمام إلى حكومة بقيادة "العمل"، فهي في أفضل الأحوال، تعد ما يسمى "يمينا معتدلا"، والذي سقط في امتحان الحكومة المنحلة، إذ انساق كليا لسياسة اليمين الأشد تطرفا؛ اليمين الاستيطاني.
من بين هذه الأحزاب، الحزب المتبلور حديثا "كولانو" (كلنا) الذي أسسه الوزير السابق موشيه كحلون، "المنشق" عن "الليكود". ولم يكن خروجه من الحزب قبل عامين لأسباب سياسية، بل على الأغلب لقضايا شخصية، جرى تغليفها بمواقف من السياسة الاقتصادية، لكنه في الجوهر متمسك بسياسة اليمين. كما أن الأسماء المرشحة للانضمام له، من جنرالات الجيش والمخابرات، يحوم أصحابها أصلا في دائرة اليمين.
أما حزب "يوجد مستقبل"، برئاسة وزير المالية المُقال يائير لبيد، فأجندته ليست سياسية بالمطلق، بل اقتصادية. وقد أثبت أنه مستعد لدعم سياسة اليمين الأشد تطرفا، وزيادة ميزانيات الاستيطان، مقابل تطبيق أجندته الاقتصادية الصقرية. وها هو في الأيام الأخيرة، يفتح ملف الفساد في الحكم، ويحظى بعناوين براقة في وسائل الإعلام. وكما يظهر، فإنه سيخوض الانتخابات من خلال هذا الملف، مستغلا فضائح الفساد التي تعصف بحزب "إسرائيل بيتنا" بزعامة أفيغدور ليبرمان.
في تقييم مرحلي للوضع القائم، هناك مؤشرات واضحة على أن اليمين الأشد تطرفا يسعى إلى إعادة ترتيب الأوراق من جديد داخل معسكره، وضمان أن تكون الكتلة البرلمانية الأكبر من داخله، ليكون زعيمها هو المرشح الأول لتشكيل الحكومة المقبلة، أي نتنياهو. ومن مؤشرات هذا، "الكشف" عن فضائح الفساد المرتبطة بحزب ليبرمان. فهذه الشبكة التي تضم العشرات، مع كثرة المؤسسات والوزارات المتورطة، تعزز الاستنتاج بأن هذا فساد كان طيلة الوقت بارزا للعيان. لكن هناك من رأى أنه لا يمكن ضمان الكتلة الأكبر في معسكر فيه ثلاثة رؤوس؛ "الليكود" بزعامة نتنياهو، وحزب المستوطنين "البيت اليهودي" بزعامة نفتالي بينيت، و"إسرائيل بيتنا" بزعامة ليبرمان، لذا، فإن ضرب الحزب الأخير، سيعزز قوة الحزبين الآخرين، كما أظهرت استطلاعات الرأي حتى الآن.
لا أحد يستطيع معرفة مصير حزب ليبرمان في الأسابيع المقبلة، فالمناورة لضربه ما تزال في بداياتها. لكن الاستنتاج الواضح منذ الآن، هو أن ضعف ليبرمان أو زواله عن الحلبة السياسية، لن يُضعف اليمين، بل سيعزز الأطراف الأخرى في ذات المعسكر.
(الغد 2015-01-03)