المشهد الايراني في قراءتين!
ما يجري في ايران لا يشذ عن القاعدة الذهبية لتاريخ الثورات ، سواء تلك التي اكلت اباءها او التي اكلت ابناءها وثلاثة عقود بمقياس زمننا الذي يتسارع فيه الايقاع وتحرق المراحل كافية لان يكون هناك في ايران جيل لم يشهد الثورة وقد يكون فـُطم عنها بعد البلوغ السياسي والاسئلة والهواجس الاكثر تداولا الان في ايران هي حول الديمقراطية وحقوق الانسان وبالتالي حول مجتمع مدني بمواصفات تتخطى الايديولوجيا وفقه الدولة الثيوقراطية ، ولا بد لهذا الحراك ان يفرز مناخات ملائمة لتيارات اصلاحية ، لا ترى بان التاريخ توقف عند عام 1979 وهو العام الذي يعتبر فاصلا وحاسما في النصف الثاني من القرن العشرين ، لان شهد جملة من الاحداث الانقلابية حولت العقود الثلاثة التي اعقبته الى مجرد مجال حيوي له.
وتعدد القراءات السياسية لاحداث ايران التي لا يمكن لها ان تختزل في مفردة واحدة هي الشغب ، هو نتاج منطقي لتعدد المرجعيات التي تتحكم بهذه القراءات ، وان كانت الاسقاطات السياسية وما يسمى التفكير الرغائبي لا يغيران من الامر شيئا ، فايران مقبلة على تحولات اجتماعية وثقافية وبالتالي بل بالضرورة سياسية والعينات التي تقدم لنا من خلال الفضائيات حول النظام وخصومه ليست مجرد لعبة كلامية لان لكل طرف قاعدة يرتكز اليها ، وكل مرسل مرسل اليه ايضا.
والمتغيرات الكونية التي عصفت بكوكبنا خلال الثلاثين سنة الماضية ولم تكن ايران في منجى منها ، لان التشرنق لم يعد متاحا لاحد ، وما لا يدخل من الابواب يأتي من النوافذ،
وقد تكون النبرة الراديكالية التي يتسم بها الخطاب الرسمي في ايران مدعاة لمزيد من الاحتدام مع من يسمون الاصلاحيين ، لهذا لم تعد هناك خطوط حمراء ، بعد اعتقال رموز الثورة الايرانية ومنهم ابنة آية الله خميني ، ورؤساء سابقين منهم من كان من المقربين للامام الراحل ، وبمقياس منطقي وتقليدي ايضا فان بقاء الحال على ما هو عليه او ما كان عليه قبل عقود من المحال ، لان حساسية الاجيال الجديدة واحتياجاتها النفسية والمعرفية وحتى الجسدية تفرض تغيرات وحراكا لا سبيل الى تدجينه او حتى الحد منه والقوة وحدها لا طائل من ورائها ، لانها تستولد ردود افعال اكثر تشنجا ولا بد في النهاية من حرب اهلية حتى لو كانت باردة لكن تزامن هذه الاحداث في ايران مع التصعيد الامريكي الذي لا يستبعد الخيار العسكري هو ما يضيف بعدا درامتيكيا للمشهد الايراني ، رغم رهان النظام على ان التحدي الراهن قد يردم الهوة بينه وبين خصومه الاصلاحيين لكن مثل هذه الرهانات جربت من قبل وفي عدة ساحات اسيوية وافريقية ولم يكن النجاح حليفها على الدوام،