التزام الدار وملايين الأرغفة

انهالت الوصايا على الناس لالتزام دورهم وبيوتهم، وصايا ومطالبات حكومية وأطراف عدة أخذت طابعا تحذيرا من عدم الخروج من المنازل كي لا يعيق الناس حركة الطرق، وكي لا يسهموا في تعطيل منافذ المرور في الحالات الطارئة لفتح الطرق المغلقة أو في حالات انقاذ المرضى، وهذا الدرس الأول الذي استفادته الحكومة ويجب أن يعيه الناس الذين للأسف لم يكن كلهم على مستوى واحد من الاستجابة للقانون ومطالب الحكومة.
قديما كان الثلج فرصة لالتزام الدار، وفرصة للتعبد والتقرب إلى الله، وفرصة لسماع القصص والكلام في ليالي طويلة لا مجال لتدبير مضاء الوقت فيها إلا بالسمر التقليدي، واليوم يُعجل الانترنت تلك الظروف ويحل محل الحكايات والسمار والأقاويل التي اعتاد الناس الحديث بها أو سردها.
الانترنت اليوم، ووسائل التواصل الاجتماعي المتعددة تحيل وحشة ليالي الشتاء الطويلة إلى مجرد وقت يمضي بل تعزز الوحدانية والفردية في المجتمع، وفي موازات هذا كله كان على الناس تأمين حاجياتهم من الغاز والخبز، إنهم لا يطيقون انقاطع اسباب البقاء، ولا يتخيل الأردني أنه يمكن أن يخلو بيته من الخبز والطعام.
هي رغبة في الحياة وحب للدنيا برأي البعض، والإقبال خلال اليومين الماضيين على شراء الخبز والذي استهجنه البعض هو في رأي آخرين في المستوى المعقول والمطلوب، فحسب تقديرات واحصائيات تعود لشهر تموز لعام 2014 فإن نسبة استهلاك الأردنيين من الخبز يوميا تبلغ ثمان ملايين طن، ولو حسبنا أن ما تم شراؤه من خمسة وعشرين مليون طن من الخبز للاستهلاك ولمدة ثلاثة أيام أو اربعة، فإن الحجم الذي تم شراؤه يظل مقبولاً وفي مستوى الاستهلاك اليومي المعقول.
في جميع الحالات اكتسب الأردنيون مع التقدم والتمدن حالات مختلفة من الاستجابة للعواصف الثلجية، واستفادت الحكومات من تكرار الأخطاء، وعملت بعقل جمعي لا بالفزعة، وتقدم القطاع الخاص أكثر لخدمة الناس والمجتمع، والمهم أن يكون حجم التكافل بين الناس على مستوى الجيرة والحارة مسؤولا وعاليا.
وبالرغم من كل وجهات النظر لأسباب الشراء والتهافت على السلع والخروج من البيت، فقد كشفت الإقبال على شراء الغاز والخبز صعوبة الالتزام بالدور والانضباط فيه، وصعوبة اقتناع المواطن بأنه يجب أن لا يشتري إلا حاجته فقط، وأن لا يخزن الكميات كي لا يحدث خلل في التوزيع، وظهر أن حجم الشعور بالاكتفاء قليل ومتدن، كما كشفت الحالة منذ بدايتها أن لا سيطرة على وكالات الغاز وسيارات التوزيع، فتفرد حراس العمارات برفع السعر على الناس، وهذا درس آخر يجب ان نعيه في الأيام المقبلة وندرس أسبابه ونضع كل الحلول لكي لا يتكرر.
التعليقات والسخرية التي رافقت بدء توقع العاصفة “هدى” واستمرت معها أيضا تستحق الالتفات والتوثيق والرصد، وهي تبين أن اتجاهات الناس في السخرية باتت متأصلة بعدما كانت تكاد تكون مفقودة قبل عشر سنوات، كانت الجدية الشديدة والصرامة محل نقد وتهكم، وكانت السخرية والضحك هما الفعلان النادران في ثقافة الأردنيين وعيشهم، وهم اليوم على اختلاف كبير عن السابق وفي وضعية مغايرة في سخريتهم السياسية والثقافية وهذا دليل صحة في المجتمع.
الإعلام كان سيد الأزمة، والجيش والأمن في فرض منع الخروج في ليالي الصقيع كان متفوقاً على مطالب الناس بالخروج، والأمانة عملت بشكل منظم والكل قدم ما يستطيع، والمقاولون بذلوا الكثير في خدمة أهلهم ومجتمعهم، في أيام ستظل راسخة في الذاكرة القريبة والبعيدة.

(الدستور 2015-01-11)