ديمقراطية فرنسا في اختبار عسير

من فرنسا؛ الدولة التي قام برلمانها قبل أسابيع بالتصويت لصالح ضرورة قيام دولة فلسطينية مستقلة، والتي صوّت مندوبها في مجلس الأمن قبل أيام لصالح مشروع قيام الدولة الفلسطينية، تنطلق منها كل الشواهد لتؤكد إعادة تشكيل تحالف دولي جديد ضد الارهاب والفكر المتطرف، فالمسرح الدولي يتأثث من جديد، وبنفس الأثاث تقريبا، لكن المشاهد منقولة من فرنسا، وهي الدولة التي تضم 3 ملايين مسلم، يعانون تهميشا، ويتميزون عن غيرهم من الفرنسيين، فلديهم مشاكل في الوظائف والمسكن ويعانون من تطرف يميني يهودي فرنسي متصهين، يضيق عليهم في حياتهم اليومية، ويدفعهم للمطالبة بحقوقهم، وهم أنفسهم؛ وبسبب الجريمة التي تتفاعل على المسرح الفرنسي، يقولون: « اليوم نجد أنفسنا مرغمين على الاعتذار عن أفعال قام بها من لا يمثلونا»!.
قتل الناس جريمة، حتى وإن قامت به دولة، فهناك دولة تقتل الأطفال وغيرهم في فلسطين وهي دولة إرهابية بلا شك، وأيضا هناك منظمات إرهابية تقوم بمثل هذا العمل، ولا يقع في مجال اهتمامها أن يتم التضييق على 3 ملايين مسلم في فرنسا، أو مليار ونصف مسلم حول العالم، بل ما يشغل بالهم هو كيفية توريط كل هؤلاء بحروب كونية..
لا نريد التحدث عن نتائج الجريمة بحق الأبرياء في باريس وغيرها، خصوصا وأنها واحدة من الجرائم التي تتمخض عن عدم وجود مجرم «حي»، لكننا نتحدث عن الذي بات مؤكدا اليوم في فرنسا وغيرها، وهو وجوب مراجعة قوانين حرية الرأي والنشر، حيث تساءلنا مع متابعين آخرين عن سبب وقوع هذه الجريمة في دولة ديمقراطية حرة، فيها قوانين تجرم من لا يعترف بالـ»هولوكوست»، أو من يعترض على عدد الضحايا في تلك المحرقة المتهم فيها نازيون، بينما تفتقر لقوانين مشابهة تجرم الإساءة إلى الأديان، فنشر الرسوم «الكاريكاتورية» المسيئة الى الإسلام واحد من اختصاصات تلك المجلة التي تعرضت للهجوم، وتم قتل 4 من رسامي «الكاريكاتور» فيها، فهي تقوم بين فترة وأخرى بنشر أو إعادة نشر مثل تلك الرسوم، التي تستفز مشاعر 3 ملايين مسلم في فرنسا ومليار ونصف غيرهم حول العالم..
نقف ضد التطرف والتمييز بين الناس، وضد التهميش وضد الإرهاب الذي يتمخض عن هذه الأعمال، ولأننا لسنا أوروبيين، وما زلنا حتى اليوم من أتباع الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، ننظر بعين الرحمة لكل الناس والمخلوقات، فإننا نبرز موقفنا المناهض للتطرف والارهاب سواء أكان دوليا تقوم به الدولة الصهيونية أو كانت تقوم به منظمات يتزعمها مجرمون مزدوجو الولاءات والانتماءات وآخر ما يهمهم هو رحمة المخلوقات ..
قد ينشغل بال العالم لأيام، ويقعون تحت ضغط شلال من ضخ إعلامي تضليلي يفقدون معه كل الحقائق، لكن العالم أصغر مما يعتقد المضللون المهنيون، ولا بد للخير والحقيقة أن ينتصرا في نهاية المطاف.
(الدستور 2015-01-12)