من دروس العاصفة

في كل أزمة، تبدأ أسئلة اختبارات مرونة المؤسسات اقتصاديا، وقدرتها على تحمل التطورات المرافقة للأزمة. ولعل أداء القطاعين العام والخاص أثناء العاصفة الثلجية الأخيرة قد ارتقى إلى مستويات أعلى من ذاك الذي عرفته العاصفة الثلجية قبل نحو عام، رغم أن الحكومة واحدة.
غير أن الصورة العامة ما تزال ملتبسة في مضمونها الاقتصادي. فهوس الطلب الذي سبق العاصفة الأخيرة، وتضاعفه خمس مرات على بعض السلع، مع ما رافق ذلك من حالة توتر وازدحام، كل ذلك يشير إلى إرباك اقتصادي، لسنا بحاجة إليه. وفي تقديري أن ثمة مخزونات صارت بحاجة إلى حركة استيراد جديدة.
ومن الملامح المقلقة في الصورة العامة أيضا، أن العلاقة بين الحكومة والشعب تبدو شبه منقطعة. فالحكومة تطلب شيئا، يفعل جمهور المواطنين نقيضه. وقد شاهدت بعد ظهر اليوم الأول للعاصفة مئات السيارات التي تتزاحم باتجاه صويلح ثم البقعة، ومنها ما كانت وجهتها إلى الشمال المغلق. وفي الوقت الذي طلبت فيه الحكومة ومؤسساتها المختصة من سائقي السيارات عدم الخروج إلى الشوارع إلا للضرورة القصوى، كانت الاستجابة سلبية في اليوم الأول، لكنها تحسنت قليلا في اليوم الثاني، وعادت للارتباك بعد يوم التقطت فيه مؤسسات الدولة أنفاسها إثر مواجهة الموجة الأولى من العاصفة، وصولا إلى الموجة الثانية التي انتهت مساء الأحد.
الملمح الأكثر أهمية، في تقديري، هو بروز دور المركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات في جانب التنسيق بين خلايا متابعة الأزمة. وهو دور أساسي في ربط جهود الوزارات والبلديات والمؤسسات والشركات كافة. والمأمول هو أن يكون المركز المظلة التي تلجأ إليها كل الجهود والمؤسسات في الأزمات. وقد تكون وزارة الدفاع المرتقبة مظلة أكبر للمركز ولدوره في تجميع جهود كل القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، على طريق النجاح في مواجهة أي أزمات مقبلة.
دروس العاصفة الأخيرة كثيرة، ليس أقلها أن العلاقة، بل الثقة، بين الحكومة والشعب تحتاج إلى دراسة معمقة، لاسيما في جانب التأثير اقتصاديا في سلوك المستهلكين وعقلنته. كذلك، فإن العمل المنظم وفق خطط، لا فزعة، يسهم في تحقيق نجاحات سريعة. ولذلك، فإن الإسراع في انخراط مركز إدارة الأزمات في هذا الدور سيقوي المجتمع والدولة. كما أن من التحديات التي ما تزال تتكرر مع كل عاصفة ثلجية، وربما مع كل إخفاق تنموي في الأطراف، استمرار مقولة "عمان هي الأردن". فمن المفترض أن تتوزع كاسحات الثلوج بعدالة أكبر على المرتفعات التي تشهد ثلوجا شبه دائمة، مثل عجلون والشوبك والطفيلة، وأن تكون حصة هذه المناطق من فرق الطوارئ أكبر وأكثر فاعلية، على غرار نداءات الاستغاثة التي صدرت عن أبنائها في الأيام الماضية.
(الغد 2015-01-13)