الجهاد والموساد في باريس

أيا كانت جنسية الارهابيين الذين نفذوا عمليات باريس الأخيرة، وايا كانت الشعارات التي رفعوها، فإن أصابع الموساد "جهاز المخابرات الصهيوني الخارجي" واضحة وقوية ولا لبس فيها سوى عند المغفلين أو المتورطين أو الموتورين طائفيا.
أ‌-ابتداءً وقبل كل شيء، فإن الاعتداء على الصحيفة وإبادة العاملين فيها، جريمة مدانة تماما كما هو مدان وعمل غير اخلاقي الاساءة للرموز والثقافة العربية والاسلامية.
وجنبا إلى جنب، فإن هذه الاساءة والثقافة الاستعمارية ورعاية الارهاب على الصعيد الرسمي في كل اوروبا، تتحمل مع جريمة القتل والاعتداء الوحشي على الصحيفة، المسؤولية عما حدث، ومن بالغ السخرية ان يشارك رؤساء "ارهابيون" في مسيرة ضد الارهاب وحرية التعبير….
وبعد:-
1. بعد المجزرة الصهيونية الاجرامية وأدواتها من "مدرسة بشير وجعجع" ضد الفلسطينيين المدنيين العزل في صبرا وشاتيلا 1982، اعلنت "مجموعة فلسطينية متطرفة" عن تنفيذ عملية ضد كنيس يهودي في باريس… وبذلك حولت التعاطف العالمي من التعاطف مع الفلسطينيين إلى التعاطف مع اليهود..
وكانت المجموعة نفسها قد نفذت عملية ضد هدف اسرائيلي في لندن كان ذريعة للعدوان الاسرائيلي على لبنان والمقاومة الفلسطينية في حزيران 1982.
وذلك ما يمكن النظر له إثر هجوم المجموعة الارهابية التابعة لجبهة النصرة والقاعدة أو داعش، على متجر يهودي بعد حادثة الهجوم على المجلة الفرنسية، إذ سعت اولا، الى تحريك الهجرة اليهودية مجددا كما الى صرف الانتباه عن حادثة المجلة إلى حادثة المطعم وخلق تعاطف مع اليهود….
ولذلك صلة بدعم فرنسا للمشروع الفلسطيني في مجلس الأمن "بصرف النظر عن دواعيه المشبوهة" التي لا قيمة لها في حسابات نتنياهو وما يمثله، فيما بدا وكأن الهجوم الارهابي "الاسلاموي" رسالة اسرائيلية إلى باريس والاتحاد الاوروبي.
2. ولهذه الاساليب الصهيونية والاجرامية تقاليد معروفة لا تكترث للتكتيكات والمناورات السياسية لحلفائها الاوروبيين والامريكيين.
ومن ذلك قيام احدى العصابات الصهيونية "الاراغون" بتدمير "فندق داود" في القدس عام 1946 وقتل وجرح حوالي مئة بريطاني بسبب مناورة بريطانية مع العرب، أغضبت تلك العصابة التي خرج منها "بيغن" استاذ نتنياهو..
بل ان العصابات المذكورة لم تتردد في مهاجمة اهداف يهودية اذا ما تناقضت معها، كما حدث 1943 عندما دمرت الباخرة "باترييه" وكانت تضم مهاجرين من اليهود رفضوا النزول في ميناء حيفا وكانوا يعتقدون انهم ذاهبون الى نيويورك..
3. ولا يمكن عزل عمليات باريس الاخيرة وما قد يليها من عمليات في فرنسا ومجمل اوروبا عن "برنامج" يعمل عليه الموساد الصهيوني منذ سنوات وهو توسيع ثقافة الكراهية والعنصرية ضد العرب والمسلمين في اوروبا مقدمة لحملات تطهير عرقي وتهجير جماعية لهم.
ويحاول الموساد الصهيوني استغلال مخاوف ديموغرافية اوروبية من زيادة عدد الجاليات العربية والاسلامية وما بات يسمى تعريب أو أسلمة "بلدان اوروبية" خلال العقود القادمة، بالنظر الى فرق الولادات الكبير بين هذه الجاليات والاوروبيين "الاصليين" .
ويشار هنا إلى ان مؤتمر هرتزل الصهيوني اول من ناقش حكاية تبادل السكان على اساس طائفي "المسلمون إلى الشرق والمسيحيون الى اوروبا"، وراحت اجهزة المخابرات الاسرائيلية ترعى ولادة وتوسيع جماعات الاسلام التكفيري بما يخدم "يهودية الدولة" من جهة وأسلمة الشرق على طريقة هذه الجماعات مقابل تهجير المسيحيين العرب إلى اوروبا.
4. ومن قبل ومن بعد، يساعدنا المفكر العربي الفلسطيني، ادوارد سعيد، على مقاربة هذه النسخة المشبوهة من الجهاد والاسلام الاسرائيلي والامريكي الذي تمثله القاعدة والنصرة وداعش، كما جاء في مقارباته للنسخة المشبوهة من الشرق في كتابه "الامبريالية والاستشراق".
فكما اختلق الغرب صورته عن الشرق "المتوحش الذي يحتاج إلى تمدين" مقدمة للسيطرة عليه ونهب ثرواته، ها هو الغرب مع اسرائيل يختلق صورته عن الاسلام "المتوحش الذي يحتاج الى قتال وليس الى تمدين هذه المرة" مقدما لإعادة إنتاج الاستعمار وتجديد الدور الاقليمي لتل أبيب.

(العرب اليوم 2015-01-14)