فترة لالتقاط الأنفاس!

النقاش المحتدم بين الحكومة ومجلس النواب حول قرار رفع أسعار الكهرباء، هو نقاش على درجة كبيرة من الأهمية، في موازاة تقلبات سعرية على صعيد خام البترول، يجب أن يتركز النقاش حولها. فالحكومة قدمت أرقامها في موازنة 2015 استنادا لأسعار نفط مرتفعة نسبيا عما هو سائد اليوم (100 دولار للبرميل)، وبعد هبوط السعر إلى 45 دولارا للبرميل، فإنه تنبغي إعادة قراءة الموزانة وفقا لذلك.
إذ لا يمكن أن تبقى الأمور على ما هي عليه بعد هبوط أسعار النفط بنسبة 55 %. فهذا التراجع الكبير في الأسعار يفترض أن يقود إلى تحويل جزء من إنفاق الأردنيين -الذي كان مخصصا للمحروقات- إلى أوجه إنفاق أخرى ذات صلة بخدمات وسلع متنوعة، وبما يعزز مستوى الطلب المحلي ويمهد لنمو مرتقب. وسيكون انخفاض حجم واردات البلاد التي تشكل المشتقات النفطية 40 % منها، سببا في النمو أيضا. غير أن أي رفع لأسعار الكهرباء سيقود الاقتصاد بالاتجاه المعاكس. ذلك أن أسعار السلع والخدمات سترتفع وفقا لما ستلجأ إليه قطاعات اقتصادية عديدة. والمحصلة، في نهاية، فلتان في الأسعار، في الوقت الذي تشير فيه التطورات الدولية إلى أن أسعار النفط تتجه نحو حالة هبوط عامة.
وكما ذكر سابقا محافظ البنك المركزي د. زياد فريز، فإن انخفاض أسعار النفط العالمية بقيمة 5 دولارات للبرميل، يوفر نحو 28 مليون دولار على الموازنة سنويا، فكيف الحال مع هبوط تجاوز 55 دولارا للبرميل في غضون الأسابيع الأخيرة؟ والمعنى هنا أن كل حسابات وتوقعات الحكومة جاءت مغايرة للواقع الراهن بالنسبة لتسعير النفط عالمياً، والمأمول أن تكون ردة الفعل حيال هذه الأرقام والمؤشرات واضحة ومباشرة لصالح المستهلك الأردني، لاسيما أن الأردن يستورد أكثر من 90 % من احتياجاته من الطاقة.
والمأمول أيضا أن تتجه الفروقات الكبيرة الناجمة عن تسعير النفط لصالح دعم وحماية الطبقات الفقيرة، لا أن تنخفض فاتورة الدعم في الموازنة، فتتجه الأنظار فقط إلى خسائر ومديونية شركة الكهرباء الوطنية التي باتت هدف الحكومة الأول في كل النقاشات المحلية والتقلبات الخارجية في الأسعار. وتبدو الحكومة بسلوكها هذا كمن ينكر حالة الهبوط التي يشهدها العالم في أسعار النفط، والتي من المفترض أن تنعكس بشكل أو بآخر على أوضاع المواطنين ونمو الطلب، لا أن تنعكس المسألة إلى سداد للمديونيات وقرارات ترفع الأسعار.
إذا لم يشعر المستهلك الأردني بهبوط أسعار النفط بنسبة 55 % خلال فترة زمنية قصيرة، فمتى يشعر بها؟ هل تنتظر الحكومة أن يصبح برميل النفط بعشرة دولارات، لينعكس ذلك على أحوال المواطنين؟
ليس الوقت الآن للمزايدات والحديث عن خيارات دستورية وسياسية لا يقوى عليها مجلس النواب بتشكيلته الحالية. فنحن بصدد نقاش عام مفتوح لمصلحة الاقتصاد والمواطن. والحل يكمن، في تقديري، في إعادة النظر في كل أرقام موازنة 2015 وفقا للتقلبات السعرية الكبيرة التي شهدتها أسعار النفط عالميا، وأن يكون الهدف النهائي من ذلك تحسين شروط عيش المواطن، لا أن تسعى الحكومة إلى رفع أسعار السلع والخدمات محليا تبعا لقرارات من شأنها أن تنعكس سلبا على هذا المواطن الذي يحتاج بالفعل إلى فترة يلتقط فيها أنفاسه بعد معاناة مديدة مع أوضاع معيشية قاسية، وغلاء متراكم.
(الغد 2015-01-20)