قانون تخجيل المرأة!
في "حق الخلع" مثلاً، تتردد المرأة ألف مرة قبل أن تجهر برغبتها بالانفصال عن "زوجها"، رغم أن القانون يتيح لها ذلك إن كرهته، ذلك أنها تخشى نظرة المجتمع لها، وتعامل أهلها معها إزاء طلاقها بهذه الطريقة، فماذا ينفع القانون إذن، إن لم يكن سيد العلاقات في المجتمع؟!.
الأمر ذاته ينطبق على حقها في الزواج بمن ترغب، أو حقها في رفض من تكره، فرغم أن كثيراً من الآباء والأمهات باتوا يتيحون لبناتهم حرية واسعة في اختيار الزوج، إلا أن ثمة ثقافة سائدة ما تزال تدفع لمشاركة الأهل في اختيار الفتاة لزوجها، انطلاقاً من افتراض ضعف قدرتها على اتخاذ القرار السليم ابتداءً، وثمة تفسير لاشتراط القانون موافقة "الولي" لإتمام زواج الفتاة، بأن ذلك "يمنع عنها أن تُخدع برجل يوهمها أنه مناسب لها"!.
القانون أيضاً ينص على حق الفتاة باللجوء إلى القضاء، في حال رفض وليها تزويجها شخصاً يناسبها، من دون وجه حق. وبالطبع فإن أكثر الفتيات "يخجلن" من مقاضاة آبائهن إن رفضوا تزويجهن بمن يردن، فهل ينفع القانون هنا ما دام التخجيل سيد الموقف؟! ثم ما دام القانون يعترف ضمنياً بأن ولي الأمر قد يعيق الزواج من دون وجه حق، فلماذا يُتاح له أن يتخذ القرار نيابة عن ابنته، ثم يُتاح للابنة أن تقاضي أباها، برغم علم واضعي القانون أنها لن تقاضيه إلا نادراً؟ أليس من الأنسب أن يترك القانون للمرأة حرية مطْلقة في الزواج، بدل أن يُدخلها في دوامة قرار الأب وإمكانية مقاضاته؟!.
القانون الحقيقي الذي يطبّق على المرأة العربية، في كثير من الأحيان، إذن، اسمه "قانون التخجيل"، لا قانون الأحوال الشخصية أو أي قانون مكتوب آخر. هنا، تبرز قضية "الميراث"، باعتبارها واحدة من وجوه التخجيل الرئيسية التي تعانيها المرأة العربية، وإن كانت تشهد تراجعاً ملموساً وبخاصة في المدن. في "الميراث" تتنازل المرأة أمام القاضي عن حقوقها طواعية، لصالح إخوتها الذكور، الذين يرفضون أن يشاركهم بمال أبيهم رجل غريب، هو زوج أختهم التي –بدورها- تبرر للناس تنازلها عن حقها بأن زوجها قادر على كفايتها، وأن لا حاجة لها بمال العائلة! وهو تواطؤ تقدم عليه المرأة، هنا أيضاً، كي تحمي سمعتها حين لا يعترف المجتمع الذكوري بالقانون المكتوب.
يتذرع البعض بالنصوص الشرعية، لتبرير إعاقة المرأة عن ممارسة أبسط حقوقها، وهي المتعلقة بحياتها الشخصية. وبالطبع فإن ذلك غير صحيح أبداً، فالنصوص الشرعية تجعل الحياة سهلة إن هي طُبّقت بالروح التي تنطوي عليها، وأولها أنه لا يجوز تخجيل المرأة ولا ترهيبها، للحيلولة بينها وبين فعل ما تريد، فحين ينص الشرع على حق المرأة في منع وليها عن "عضلها" (أي منع زواجها بمن ترغب من دون وجه حق)، أو حقها في طلب الخلع، فإنه يفترض أن ذلك هو القانون الذي يتعاطى معه المجتمع لتصريف شؤونه اليومية، باعتباره ممارسة طبيعية مقبولة لا تسيء لسمعة المرأة ولا تشوّه صورتها، بمعنى أنه يفترض أن المجتمع لن يفرض قانوناً موازياً اسمه "التخجيل والترهيب"، يحاكم تصرفات المرأة على أساسه، ويقوّض به كل النصوص الشرعية والقانونية.
ما لا تعلمه المرأة التي تقبل "التخجيل" و"الترهيب"، أن المجتمع لن يقاوم حصولها على حقوقها التي تنص عليها القوانين، إن هي تمسكت بها، وأصرّت عليها، وشيئاً فشيئاً سيتحول حق المرأة في الزواج والطلاق والميراث، إلى عُرف يدافع عنه المجتمع. هنا، أتذكر قصة طريفة رواها لي صديق من إحدى القرى: أصرّت أخته على حقها في حصتها من ميراث أبيها، وهي تردد أنها أحق بمال أبيها من زوجات أخوتها، فما كان من الأخوة الذكور الطامعين بالمال كله إلا أن سلّموا بحقها، وأعطوها حصتها، وباتوا يحسبون حسابها في كل قرار عائلي لأنها صاحبة حكمة ورأي وإصرار على الحق! فالإصرار إذن، هو السبيل الأكيد لتحوّل المرأة من قانون التخجيل إلى القوانين العادلة المكتوبة.(جريدة الغد)