آفاق العلاقة بين روسيا وإسرائيل
لا شك أن العلاقات بين موسكو وتل أبيب لم تعد مجرد صلات دبلوماسية، خاصة وأن أكثر من مليون مهاجر من الاتحاد السوفييتي السابق أصبحوا يشكلون كتلاً سياسية واجتماعية مهمة وناطقة بالروسية داخل المجتمع الإسرائيلي. بل إن العديد من القادة السياسيين الإسرائيليين هم من المهاجرين الذين غادروا موسكو خلال السبعينيات من القرن الماضي.
وقد اعتبرت موسكو هذه التركيبة السكانية ميزة لصالح روسيا، ستؤثر بشكل أو بآخر في سياسات إسرائيل، وستفرض على حكومات تل أبيب مراعاة المصالح الروسية في المنطقة. إلا أن ما يحدث لا يعبر عن صحة هذا التوجه، لأن الحكومات الإسرائيلية خلال الأعوام الماضية اقتصر حوارها السياسي على شقي: الأول تقليص الدور الروسي في المنطقة.
وتهميش روسيا كراعي لعملية السلام، أما الشق الثاني فهو استخدام كافة السبل والوسائل للضغط على روسيا من أجل إجبارها على عدم التعامل مع إيران في نفس الوقت الذي تقوم فيه إسرائيل بتدريب وتسليح الجيش الجورجي، وإعداده ليخوض حربا ثانية ضد روسيا بعد أن قدمت للقوات الجورجية مساعدات كبيرة خلال حرب ساكاشفيلي الأولى في القوقاز عام 2008.
ومن المعروف أيضاً أن الشركات الإسرائيلية قد جهزت شحنة من الأسلحة الجديدة لإرسالها إلى جورجيا، في سياق خطة إعادة بناء القوات الجورجية، ما يعني إسرائيل تشارك في تجهيز جيش يستعد لشن حرب ثانية ضد روسيا.
المشكلة أن إسرائيل التي يتحدث قادتها عن أهمية علاقات التعاون مع روسيا، تحاول مساومة موسكو على هذه السياسة، وتريد مقابل إيقاف تجهيز جورجيا بالأسلحة والمعدات وتدريب قواتها، أن تتوقف روسيا عن تسويق منتجاتها العسكرية!
وإذا كان الحديث يدور في السنوات الماضية عن أهمية التعاون الاقتصادي مع إسرائيل، بل إن البعض ذهب إلى أنه يساوي أضعاف حجم التعاون مع بعض الدول الصديقة، إلا أن الأرقام تكشف عن أن عام 2008 لم يزد حجم التبادل التجاري عن 8 .2 مليار دولار، ما يساوي حجم التعاون مع القاهرة، ثم تراجع عام 2009 لأقل من مليار دولار. لذا أثيرت تساؤلات حول جدوى هذا التعاون الذي شكل استخراج وتسويق الألماس الروسي الجزء الأساسي فيه.
ولا بد من الانتباه إلى أن روسيا تبحث سبل تسوية الأزمة المثارة حول الملف الإيراني مع الدول العظمى، أي مع الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وبريطانيا والصين.
وإسرائيل ليست إحدى الدول المشاركة في هذه الجهود. بل إن إسرائيل كدولة نووية لم تنضم للمواثيق الدولية الخاصة بالحد من انتشار التسلح النووي، ليصبح لديها كامل الحرية في تطوير أسلحتها. ولم يعد مفهوم أن يصمت المجتمع الدولي عن وجود أسلحة نووية لدى دولة تقع في إقليم تحتدم فيه الصراعات.
لا اشك أن موسكو التي تفتقد شريكا استراتيجيا في الشرق الأوسط تحرص على صلاتها مع تل أبيب، ولكن يجب أن يقابل هذه الحرص والرغبة في تطوير العلاقات بخطوات ايجابية من الجانب الآخر.
على ألا يقترن ذلك بتراجع في العلاقات التاريخية بين روسيا والعالم العربي. وهو ما يجب أن يدركه القادة الإسرائيليون، أن دعم روسيا لحقوق الشعب الفلسطيني والحقوق العربية المشروعة يستند إلى الشرعية الدولية.
ويقوم أيضاً على أسس العلاقات التاريخية مع الدول العربية التي حققت في المنطقة نهوضاً علمياً وتقنياً واقتصادياً خلال النصف الثاني من القرن الماضي. هذه الأرضية المهمة لدور روسيا في المنطقة يمكن أن تكون أساسا لتسوية أزمتها. لذا من الإجحاف أن يكون الملف الإيراني من زاوية واحدة فقط هو البند الوحيد في اللقاءات الروسية الإسرائيلية.
وروسيا التي تسعى لانتهاج سياسة متوازنة في الشرق الأوسط وتعمل على صياغة منظومة تضمن أمن الخليج لن تحقق نجاحا دون توفر القناعة لدى بقية الأطراف بضرورة إحلال الأمن والاستقرار في المنطقة، وسعي هذه الأطراف للتعاطي مع روسيا وغيرها من القوى الدولية لتحقيق هذا الهدف.
وخلافا لرؤية بعض القوى الدولية ترفض موسكو منطق احتكار التسوية في المنطقة، من جانبها أو من جانب القوى الأخرى. باعتبار أن سيادة هذا المنطق لا بد وأن تؤدي لمزيد من الأزمات في الشرق الأوسط.
(خبيرة الطاقة الروسية)
jannamarat@km.ru