متطرفون ومأزومون

تم نشره السبت 24 كانون الثّاني / يناير 2015 02:00 صباحاً
متطرفون ومأزومون
سامر خير أحمد

مجموعة من المتطرفين، ترفض حرية الاعتقاد عند الآخرين، وتسخر منهم، وتعمل في صحيفة فرنسية هامشية، رسمت ونشرت مجموعة من الرسومات المسيئة لرسول الإسلام؛ فقامت مجموعة من متطرفين آخرين، من المجتمع نفسه، لكنهم يدينون بالإسلام، ولديهم في الخلفية مشكلات عديدة إزاء "هامشيتهم" في ذلك المجتمع، بقتل عدد من المنتمين للمجموعة الأولى. النتيجة أن سياسيين، واقتصاديين، ورجال أعمال، وأكاديميين، ومفكرين، وصحفيين غير هامشيين، وعلماء، ومعلمين، وخبراء، وربات بيوت.. الخ، انجرّوا كلهم وراء هاتين المجموعتين من المتطرفين، وصار ثمة أزمة بين المسلمين والغرب. فهل هذا معقول؟!
مجموعتان من المتطرفين: الذين سخروا ورسموا، والذين قتلوا، تقودان اليوم ملايين من غير المتطرفين في فرنسا وأوروبا والعالم العربي والدول الإسلامية، إلى مسلكيات متطرفة: حرق، وقتل، وتهديد، وتضييق في العمل، ومظاهرات، ودعوات للمقاطعة التجارية! تُرى: هل جنّ العالم، أم أن "وراء الأكمة ما وراءها"؟!
ثمة سؤال جوهري يستدعي الإجابة، إزاء ما يجري في عالمنا منذ ثلاثة عقود: كيف تمكّن المتطرفون من توجيه العالم وتحريكه، وصياغة أجندته، وتحديد أولوياته، وجرّ الملايين خلفهم كشركاء أو متفاعلين أو متأثرين؟ كيف أمكنهم أن يصيروا هم "القادة"، مباشرين وغير مباشرين، ويحيّدوا فاعلية كل من في العالم من عقلاء وعقلانيين؟!
لا بد أن الإجابة موجودة عند من استجابوا للمتطرفين، لا عند هؤلاء المتطرفين أنفسهم. لا بد أنهم توفروا على سبب ما كي يستجيبوا لمن لا يشبهونهم، كأن يعبّر هؤلاء المتطرفون، الذين لا يشبهونهم، عن أزمة ما عندهم، تحرك أفكارهم وتصرفاتهم وتحدد إمكانية استجاباتهم واتجاهاتها.
ليس جديداً أن العرب مأزومون حضارياً. وما دام هؤلاء المتطرفون يبشّرون بانتصارات حضارية تشبه تلك الانتصارات التي كانت في تاريخ العرب والمسلمين، فإنهم سيجدون عند عامة المأزومين آذاناً صاغية، ستطرب لهم، وتندفع وراءهم وتصدقهم. ذلك هو ما يجري في جهة العرب والمسلمين المعاصرين إزاء التطرف والتصرفات المتطرفة باسم الدين: المتطرفون يعزفون على الوتر الحساس، ويبشرون باستعادة نموذج تاريخي منتصر، يعوّض ما أخفق العرب المعاصرون في إنجازه على الصعيد الحضاري. يبشرون بالوهم، فيسمع من لا يجدون بديلاً!
ليس مهماً هنا مدى منطقية ما يبشّر به المتطرفون، فالأمر لا علاقة له بالمنطق. بل ليس مهماً حقيقة انتماء ما يبشّرون به إلى الإسلام، من عدمها؛ فالأمر لا علاقة له بالدين أو التدين، وإنما بالجانب الحضاري والأزمة المعاشة فيه.
هكذا، لا يكون كافياً نفي صلة التطرف بالإسلام، على أهمية ذلك، بل من الضروري نفي إمكانية أن يقود التطرف إلى حل الأزمة الحضارية التي يعيشها العرب؛ عندها لن يجد المتطرفون من يصدقونهم وينجرّون وراءهم.
في الجهة الأخرى، ثمة أزمة من دون شك تجاه "الآخر" الشرقي لدى الغرب، تسهّل تصويره مصدراً للشرور. ليس العربي وحسب ولا المسلم بالضرورة، لكنه زمن تصدّر فيه العرب والمسلمون قائمة "الآخر" لدى الغرب، منذ أن انتهت الحرب الباردة مع شرقيين آخرين.
هل ثمة شيء اسمه "الغرب"، أم أنها خرافة؟! لا ريب أن ما يحدث اليوم في تلك المنطقة الجغرافية المسماة غرباً، تجاه الثقافات الأخرى والمنتمين لها، تثبت أن الأمر يتجاوز مجرد الجغرافيا!
هناك أيضاً، يجد المتطرفون آذاناً صاغية من أناس غير متطرفين، لا يشبهونهم، لكنهم مأزومون ثقافياً ولديهم ما لدى غيرهم من انطباعات، وأفكار مسبقة، وصور محفوظة في الذاكرة، وتصورات وأوهام وهواجس ومخاوف، تكفي كي يطربوا لما يقوله متطرفوهم وهم يعزفون لهم على وترهم الحساس.
التطرف سيكون أقل قيمة وحضوراً، لولا وجود أزمات حضارية وثقافية عند الشعوب غير المتطرفة!

(الغد 2015-01-24)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات