بنت من شبرا
سامحوني الحياة لم تعد تحتمل.. كانت الكلمات الأخيرة التي تركتها داليدا المغنية المصرية النشأة، الإيطالية الأصل، الفرنسية الشهرة والحياة والإثارة والموت المر.
ولدت في 17 ينايرعام 1933. وفي يوم حرية الصحافة 3 مايو إنتحرت بعد تناول الكثير من أقراص التهدئة وهي طريقة معتادة يتبعها المشاهير من الفنانين والمبدعين من شعراء وممثلين وكتاب ومغنين للتخلص من ضغط الحياة الزائد بعد أن توفر لهم الكثير من المال والشهرة والحضور والعلاقات، لكنهم في النهاية لايدركون سر الكمال، وينتهون الى الهرم والعجز، أو الى الشعور بالضعف والخوف من الفشل والهزيمة المنتظرة، فيفضلون الرحيل المر على لذة حياة منقطعة في الأصل.أعرف تماما إن هذا العنوان معروف لكثيرين، وانا أتذكر إني قرأته في مواضع شتى لكنني أكتب به في صبيحة اليوم الذي يصادف ذكرى ولادة بنت شبرا المصرية الإيطالية داليلة، أو داليدا كما عرفناها لاحقا والتي غنت بلغات عدة، وتنقلت بها من فشل الى نجاح وشهرة وضياع يعيشه أغلب الذين يعاقرون الفن والغناء والرقص والتمثيل، وهولاء يعانون غالبا من فراغ في الروح لايملؤه إلا الموت، أو الإنتظار الممل، والتحول الى مدمنين وشاذين جنسيا كما هو حال أغلب المطربين والمغنين والراقصين الذين يعاقرون الخمر، ويتناولون الأقراص المهدئة والمخدرات التي لم ينج من شرورها أي مطرب عربي معروف!
من اشهر أغنياتها المغناة بالعربية سالمة ياسلامة التي تعد وصفا مختصرا لمسيرة حياتها الحافلة بالعذابات والنجاح، ثم الخروج من الدنيا خالية الوفاض إلا من رغبة برحمة من رب المسيح الذي تعتقد به أسرتها المهاجرة من جزيرة إيطالية.
تقول كلماتها بلهجة مصرية مخلوطة ببعض الحلاوة الطليانية الفرنساوية..
فى الدنيا الكبيره، وبلادها الكتيره، لفيت لفيت لفيت، ولما ناداني حبي الأولاني سبت كله وجيت وجيت، وفى حضنه إترميت وغنيت،سالمه ياسلامه، رحنا وجينا بالسلامه..
لسه الحب صافي، لسه الجو دافي، لسه في قمر، وبعد المغارب نتلم في قارب، ويطول السهر، السهر والسمر والغنى، كلنا في شجره جوه جنينه عليها علامه، أنا ياما كنت بفكر فيها بأسال ياما، ياترى موجوده وقلبى محفوظ فيها؟ أيوه موجوده، وقلبي محفوظ فيها..
تسببت داليدا بكسران قلب الفنان عمر الشريف الذي تركته وهربت الى باريس بحثا عن مجد، ثم إنتحار طليقها، وبعده المطرب الشاب الذي أحبته وإنتحر بسبب الفشل، ومحب ثالث مات إنتحارا لسبب يتعلق بداليدا..
داليدا ماتت في 3 مايو عام 1987 حينها كنت في المدرسة الإعدادية وكنت أردد أغنيتها بشغف دون أن أعلم إن المغنية تتعذب، وتنتظر لحظة لتنتحر..
الفقر، والبحث عن النجاح يمنعان من الإنتحار ويدفعاننا للتواصل مع الحياة، بينما الشعور المر بالفشل قد يدفع للإنتحار، والنجاح الكبير سبب آخر للموت إنتحارا. أنا لن أنتحر على الإطلاق..