السقوط المتواصل للسياسة العربية في إسرائيل
*النائب باسل غطاس يصرخ غاضبا :"انا لست عرب اسرائيل"*
بعد دخوله للكنيست سيقسم يمين الولاء للدولة الصهيونية اليهودية
ويقف صاغرا حين ينشدون نشيد الدولة الصهيوني - هتكفا*
هل اصطلاح عرب 48. يعبر عن هويتنا.. ؟ احيانا استعمله .. لكني لست عرب 48 ولا عرب 67 ولا عرب الخط الأخضر.. انا فلسطيني عربي .. واذا قلت "مقيم" في إسرائيل ، فهذا ينفي صفة اني مواطن أنا لست مقيما فقط ( أي عابر ).. لذلك لا مناص ، مكره أخوك لا بطل .. من تعبير مواطن في إسرائيل!!
يجب عدم الاستهتار بالصيغة القانونية لواقعنا .. مشاعرنا تتناقض مع ما نضطر لقبوله كصيغة قانونية . بعض إخواننا العرب والفلسطينيين، حتى داخل إسرائيل يتشاطرون علينا بقومجيتهم البلاستيكية، فهل يتجولون في العالم بجنسية فلسطينية او إسرائيلية ؟ هل يمثلون شعبهم في كنيست فلسطينية أو صهيونية يهودية إسرائيلية ؟ هل منظماتهم الحزبية مسجلة في نيويورك (حزب واحد في قطر) ام في إطار القانون الاسرائيلي ؟ ألا تسمى أحزابهم إسرائيلية أيضا رغم ضيق أفقنا بهذه التسمية؟؟ هل حزب التجمع ألقومجي الذي أسسه عزمي بشارة ويقوده من قطر، يستطيع ان يخوض الانتخابات بدون أن يكون حزبا إسرائيليا؟ نفس الأمر ينسحب على الحزب الديمقراطي العربي والحركة الإسلامية والحزب الشيوعي .. الا الدكتور باسل غطاس من حزب التجمع وسائر من تبقى في حزبه بعد تركهم حزب الكذبة الوطنية. باسل غطاس انتفض في الراديو (الجمعة 23-01 -15) لأني استعملت اصطلاح العرب في اسرائيل او عرب اسرائيل.. وصرخ عبر الأثير "انا لست عرب اسرائيل"سألته هل هو عرب المريخ؟ طبعا كان هائجا وهدد بترك البرنامج .. فكان ان انهي مقدم البرنامج الحديث معي قبل ان أسال غطاس اذا كان من عرب قطر، وهل سيقسم يمين الولاء في الكنيست لقوميته الفلسطينية ام للدولة اليهودية الصهيونية؟ وإذا كان قوميا صادقا لماذا يقاتل ليكون عضو الكنيست الصهيوني اليهودي الإسرائيلي ويضطر للوقوف باحترام عند إنشاد أعضاء الكنيست "هتكفا – الأمل" النشيد القومي الإسرائيلي الذي يقول مطلعه:
" لم يتبدد أملنا بعد/في العودة الى ارض آبائنا/للمدينة التي عسكر بها داوود"
و "أملنا لم يضع بعد/أمل عمره ألفا سنة/أن نكون أمّة حرّة في بلادنا/بلاد صهيون وأورشليم القدس."
هل سيغضب باسل غطاس ام سيقف صاغرا احتراما للنشيد.. ولا اتهمه انه سينشده؟!
من يتشاطر علينا ليعطيني حلا ...
زعيم حزبه عزمي بشارة اعترف في وقته (قبل هجرته الى قطر) في المحكمة العليا بمشروعية دولة إسرائيل كتعبير عن حق تقرير المصير للشعب اليهودي، لضمان تمثيل حزبه في الكنيست. فمن نصدق ؟ باسل ام زعيمه الميثالوجي؟
هذا يذكرني بمهزلة وثيقة "التصور المستقبلي " الذي أصدرته اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية في اسرائيل ( في اوائل 2007) وواجه ردود فعل انتقادية واسعة ، في الوسطين العربي واليهودي .
بدعة "القائمة المشتركة" للعرب في إسرائيل هي تتمة للتصور الخاطئ في وثيقة "التصور المستقبلي" للهواة السياسيين (الأصح الصبيان) الذين صاغوها.
كنت قد شاركت في ندوة حول وثيقة "التصور المستقبلي" بدعوة من "منظمة ميميري – لبحث الاتصالات في الشرق الأوسط" ، حضرها جمهور يهودي وعربي واسع في مدينة القدس ، وشارك فيها اثنان من معدي "التصور المستقبلي"، احدهما محاضر جامعي، والثانية مناضلة نسائية شيوعية مرشحة اليوم في القائمة المشتركة عن الجبهة" الى جانب محاضر يهودي من جامعة حيفا .
انتقدت في حديثي مقدمة صياغة "التصور المستقبلي" ، ووصفتها بصياغة "هواة " لا تليق بأي مستوى سياسي يدعي انه يتحدث باسم العرب في إسرائيل . في الجملة الأولى وردت الصياغة التالية : " نحن العرب الفلسطينيين الذين نعيش في اسرائيل .." أي ان واضعي الوثيقة يتهربون من الجملة الأولى من إقرار سياسي هام جدا، كحقيقة حقوقية أساسية، هو كون العرب مواطنين في دولة إسرائيل. بذلك يخدمون، بوعي او بدون على الأغلب ... كل العنصريين الفاشيين والترانسفيريين، الذين يرون في المواطنين العرب مجرد حالة مؤقتة يتحينون الفرصة للتخلص منهم. ان نفي صفة المواطنة هو خطأ سياسي استراتيجي، صحيح أنهم في الجملة التالية يسجلون، عافاهم الله : "المولودون في البلاد ومواطني الدولة ".. اذن نحن (الهنود الحمر) المولودون في البلاد، والى جانبنا يوجد مواطني الدولة – من هم ؟؟؟ المواطنة أعزائي ليست مجرد صيغة قانونية، إنما حصيلة الانجازات على أرض الواقع، لماذا تتجاهلون أننا حقيقة سكانية غير قابلة للاختفاء، صفة المواطنة هي التي تعطينا الحق القانوني في المطالبة بالمساواة والمشاركة في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية وان نرفض البقاء مجرد محكومين!!
منذ العام 1948 وحتى اليوم ، لم نحصل على المساواة الكاملة، واجهنا نظام الحكم العسكري الشرس، قوانين الطوارئ والنفي والإقامة الجبرية، لكنها أيضا كانت سنوات نضال متواصل وشجاع وقمة في البطولة والتضحيات. حققنا نجاحات هامة، أبرزها إلغاء الحكم العسكري، إلغاء التمييز في مخصصات التأمين القومي للأطفال العرب. أفشلنا سياسة تجهيلنا بتاريخنا وتراثنا ولغتنا، كسرنا الحصار الثقافي، نشرنا الثقافة والوعي في أوساط الجيل الشاب خاصة، انتفضنا ضد مصادرة الأراضي ( يوم الأرض ) ونجحنا بوقف أكبر مشاريع المصادرة لما تبقى من أراضينا.
استمرارا لنفس التركيبة الفكرية الخاطئة لمعدي الوثيقة جاء : نحن جزء من الشعب الفلسطيني والأمة العربية ومن الامتداد الثقافي العربي والإسلامي والإنساني.
لم أفهم ضرورة إدخال صيغة "الإسلامي" .. أرى بذلك خطأ فكري لا يقع بعيدا عن النهج الرسمي للسلطة العنصرية في إسرائيل التي تصر على معاملتنا كأقليات إسلامية ومسيحية وبدوية ودرزية، ولا تريد ان تعترف بنا كأقلية قومية عربية فلسطينية !!
اذن لماذا نحتج على تسميتنا إسلام ومسيحيين وبدو ودروز .. ما دمنا نحن أيضا نسجل كوننا امتدادا طائفيا - ألا يكفي إننا امتداد قومي فلسطيني وعربي؟!
لماذا هذه اللوثة الطائفية ؟
******
منذ بدأ وعيي يتشكل وانا أعيش حكاية شعبي الفلسطيني الذي تشرد .. وقصص التشريد والنضال البطولي للشيوعيين العرب لوقف شحن ابناء شعبهم وقذفهم وراء الحدود .. ومعارك الهويات التي خاضها الحزب الشيوعي ومحاميه حنا نقارة الذي أطلق علية الناس لقب "محامي الشعب" ، وكانوا ينشدون له الأهازيج الوطنية فرحا بتحصيله للهويات الزرقاء عبر المحاكم الأمر الذي كان يعني البقاء في الوطن وعدم اعتبار الفلسطيني "متسللا" يجب قذفه وراء الحدود، وتحديا أيضا للحكم العسكري الذي فرض على العرب الفلسطينيين الباقين في وطنهم .
ومن تلك الأهازيج :
طارت طيارة من فوق اللية الله ينصركو يا شيوعية
حنا نقارة جاب الهوية غصبا عن رقبة بن غريونا
وحسب مذكرات الشاعر والمناضل حنا ابراهيم ( كتابه: ذكريات شاب لم يتغرب )، كانت تمنح هويات حمراء لمن يعتبروا " ضيوف " بالتعبير الإسرائيلي، أي المرشحين للطرد من الوطن، أما "غير الضيوف" فكانوا يحصلون على هوية زرقاء. يذكر حنا إبراهيم أغان التحدي التي كانت تنشد في حلقات الدبكة ومنها:
يا أبو خضر يللا ودينا الزرقات والحمرا ع صرامينا
هذا وطنا وع ترابه ربينا ومن كل الحكومة ما ني مهموما
يقطع نصيب ال قطع نصيبي لو انه حاكم في تل أبيب
توفيق الطوبي واميل حبيبي والحزب الشيوعي بهزو الكونا
ويتلقف الشبان الكرة ويعلو نشيد المحوربه :
لو هبطت سابع سما عن حقنا ما ننزل
لو هبطت سابع سما عن أرضنا ما نرحل
(ملاحظات: بن غوريون هو اول رئيس لحكومة إسرائيل - أبو خضر أسم شرطي يهودي اشتهر ببطشه ووحشيته- اميل حبيبي وتوفيق طوبي قائدان شيوعيان .. أميل حبيبي هو الكاتب الفلسطيني الذي اشتهر بروايته "المتشائل" ).
******
ان توقعاتهم، ان يوحد "تصورهم المستقبلي" الصفوف، وان يجد نقاط التوافق الفكرية والإيمانية والتصورات المختلفة وحتى المتناقضة، هو أقرب للغو والتهريج السياسي كما برز ذلك بأسلوب الرد بغضب ونفي للنائب باسل غطاس على تعبير "عرب إسرائيل" او "العرب في إسرائيل"، انتظر ان يفسر موقفه وكيف يتطابق موقفه مع قسمه في الكنيست ليمين الولاء للدولة الصهيونية اليهودية؟!
لسنا سعداء بالواقع الذي قاد الى هزائم نكراء للجيوش العربية عام 1948 وهزائم في العام 1956 والعام 1967 والعام 1973 ، غير الغزوات الإرهابية ضد اللاجئين في الدول العربية التي رد عليها العرب بالاستنكار والإدانة وهو "أسلوب قومي" لم يتغير اليوم أيضا!!
لا بد لي من الإشارة إلى أمر أساسي وهو ان أزمة القيادة العربية في إسرائيل هي الانعكاس الطبيعي لابتعاد القيادات المفترضة عن القضايا الملحة للجماهير العربية، وغرقها بالمنافسات الصبيانية على الشعارات القومية الصارخة. ان التصريحات الملتهبة وصولا إلى فكرة "قائمة مشتركة" تقف وراءها أزمة سياسية، تنظيمية وقيادية آخذة بالتسارع، من مميزاتها مقاطعة التصويت من نسبة كبيرة جدا من الجماهير العربية، تصويت نسبة كبيرة جدا للأحزاب الصهيونية وما يتبقى للأحزاب العربية لا يتجاوز ثلث المصوتين. أي ان أحزابنا العربية تمثل ثلث المواطنين بالكثير.
ما أراه انهم يواجهون حالة انقلاب في الإدراك السياسي ، انقلاب في المفاهيم الايديولوجية الى نقائضها المضحكة بحيث أضحى الجمهور العربي في الشارع أكثر اتزانا وواقعية من قياداته. هذا ليس جديدا، احتفظ بين أوراقي بنتائج استطلاع للرأي أجراه (عام 2007)"مركز يافا للاستطلاعات" الذي يديره الدكتور عاص أطرش. جرى الاستطلاع بطلب من قسم الشرق الأوسط في جامعة تل أبيب ... نتائجه كانت نقيضا كاملا لمواقف القيادات العربية. الاستطلاع يبين أن 25,5% يؤيدون مبدأ دولتين لشعبين ويقبلون بإسرائيل دولة يهودية وديمقراطية بمواصفاتها الراهنة وان 38,7% يريدون أن تكون إسرائيل دولة كل مواطنيها من حيث المساواة. اجمعوا الرقمين تجدوا أن 64,2% يقبلون بدولة إسرائيل كما تسمي نفسها (يهودية ديمقراطية) مقابل حل النزاع وإقامة دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب إسرائيل وتحقيق المساواة للعرب في إسرائيل... وليس للعرب في قطر!!
لا اعتقد ان هناك اختلاف كبير لو اجري الاستطلاع اليوم أيضا. هذا يبرز القطيعة بين أحزابنا وبين ما يجري من تحولات فكرية وسياسية في مجتمعنا بغياب أي فعل سياسي، تثقيفي وإعلامي لمجمل الأحزاب المشاركة في ألقائمة المشتركة.
ان الامتناع عن التصويت او التصويت لقوائم غير عربية، هي حالة مستفحلة لم يجد لها قادتنا البواسل حلا لائقا، رغم انه في فترة تاريخية على اثر إقامة الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة حدث تحول هام في التصويت للجبهة، لكن قادة الجبهة أنفسهم ( بعد زمن قصير من تأسيسها) افقدوا هذا المكسب قيمته وثباته بأخطائهم التنظيمية والسياسية. من هنا اضطرارهم اليوم لقبول تحالف يتناقض مع كل فكرهم السياسي والاجتماعي تحت صيغة وحدة تجمع بين أهل النار وأهل الجنة!!
الرد هو بمقاطعة القائمة التي لا تمثل العرب في إسرائيل، بل تمثل قيادات في طريقها للإفلاس السياسي والفكري والتنظيمي الكامل!!