حُكم القانون في المواقع الإلكترونية أم الحكم بالقانون

ما زلت أعتقد أنه لا يجوز التعامل مع وسائل الإعلام الجديدة بقوانين قديمة.
كما أنني ضد شمول المواقع الإلكترنية الإخبارية بالترخيص كمطبوعات إنما تسجيلها في سجلِّ الشركات فقط كشركات صحافية حتى يتمكن المتضرر منها أن يعرف عنوانها.
فالمواقع الإلكترونية سواء كانت مسجلة أو مرخصة أو غير مرخصة وغير مسجلة فهي تخضع للقانون العام كأحد وسائل العلانية التي تنص عليها المادة 73 من قانون العقوبات. وتذكَّروا أن نائب المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين زكي بني إرشيد لم ينشر ما نشره عن الإمارات بموقع إخباري إلكتروني إنما على صفحته على "فيسبوك" وهو ما زال في موقوفًا في السجن. فالكتابة على حائط الجيران أو تويتر أو فيسبوك مثلها مثل الكتابة في أي صحيفة أردنية من ناحية شرط العلانية.
ومع أن الأردن لم يحتذ الممارسات الفضلى في تنظيم محتوى ما يُنشر على الانترنت إلا أن الإساءات التي قامت بها بعض المواقع الإخبارية الإلكترونية غير كافية من وجهة نظر قانون حرية التعبير.
أقول ذلك مع أنني كنت ضحية إساءات من بعض هذه المواقع لكن المصلحة العامة عندي وعند غيري يجب أن تعلو على المصالح الشخصية، فوجود سمكة فاسدة في بحيرة هذه المواقع ليس مبررًا لتجفيف البحيرة إنما العمل على إخراج السمكة الفاسدة بأقل الأضرار للبحيرة والصيادين ومن يشترون السمك منهم.
لكن طالما أن هناك قانونًا ومع تحفظاتنا عليه، لكنه يبقى قانونًا يحتفظ بمشروعيته حتى يتم تعديله بالطرق القانونية.
وأصدرت هيئة الإعلام المرئي والمسموع (الإثنين الماضي) تعميمًا على المواقع الإخبارية الإلكترونية، يلزمها بضرورة تفرغ رئيس تحريرها لمهام عمله، وعدم العمل في أي مطبوعة أخرى، وذلك تطبيقًا للمادة (23) من قانون المطبوعات والنشر التي توجب أن يكون لكل مطبوعة صحافية رئيس تحرير يكون مسؤولا عما ينشر فيها، ويشترط فيه أن يكون صحافيًّا ومضى على عضويته في النقابة مدة لا تقل عن اربع سنوات، وأن يكون متفرغا لمهام عمله، وان لا يعمل في أي مطبوعة اخرى.
إن التعميم تطبيق سليم للقانون؛ إذ لا يجوز للصحافي أن يؤجر اسمه للموقع، ولا يشرف إشرافا فعليا على عمله، الأمر الذي لا يعفيه من المسؤولية.
كما يجب أن لا يكون تطبيق القانون بانتقائية، بحيث تستثنى مواقع إخبارية من شمولها بالنص، ويطبق على مواقع أخرى.
وهناك مثال واضح حول الانتقائية في تطبيق القانون وهو تعريف الصحافي نفسه الذي يعرِّفه قانون المطبوعات بأنه العضو المسجَّل في نقابة الصحفيين. ويحظر قانون نقابة الصحفيين على الصحافي من أن يكون مالكا لشركة تجارية (إلا أن يكون هدفها إصدار مطبوعة صحافية) سندًا للمادة 42 من قانون نقابة الصحفيين التي تحظر على الصحافي ممارسة الأعمال التجارية وتمثيل الشركات في أعمالها التجارية أو الصناعية.
ورغم هذا المنع يوجد صحافيون لهم شركات ربحية ومسجلون في دائرة مراقبة الشركات مثل أي دكانة في حارتنا.
حُكم القانون هو أن يستطيع المُخاطب بالقانون أن يتوقع ما هي نتائج عدم امتثاله للقانون. ومثال ذلك توقع أي سائق مركبة أن القانون سيُطبق عليه إذا قطع الإشارة الضوئية الحمراء، أما إذا توقع شخص آخر أو أكثر عدم تطبيق القانون عليه لأية اسباب (لأنه ابن مسؤول كبير أو غير ذلك) وجرى ذلك فعلًا فيعني أننا لسنا في دولة حُكم القانون بل في دولة الحكم بالقانون والانتقائية في تطبيق القانون وأن الوقت غير ملائم، وهذا كبير وهذا صغير وخيار وفقوس.
(العرب اليوم 2015-01-29)