إعداد الإنسان هو بوصلة النجاح

الحكم على نجاح دولة أو نظام أو حكومة أو حزب أو جماعة يأتي من خلال حسابات الإنجاز على صعيد بناء الإنسان، فالدولة التي تحسن صناعة الإنسان، وإعداد المواطن، فقد وضعت قدمها على طريق النجاح والتقدم، وبغير ذلك فإن الجهود المبذولة سوف تكون في غير موضعها وسوف تصبح نوعاً من ضياع الوقت والجهد.
عندما تفلح الدولة في صياغة إنسانها، فقد ضمنت وجود أفضل أنواع الاستثمار وأجودها وأكثرها ضماناً واستقراراً وأماناً، لأن الفلاح في إيجاد الإنسان الصالح المنتج، الذي يستطيع استخدام عقله بطريقة علمية صحيحة، ويستطيع تنمية قدراته بطريقة سليمة، ويحمل في قلبه حباً لوطنه، ويحوي بين ضلوعه انتماءً صافياً لأمته سوف يؤدي إلى فلاح متراكم على كل الجبهات وفي كل المجالات.
وهذه مهمة الأحزاب والجماعات وجميع القوى السياسية، حيث يقتضي منها أن تخوض غمار التنافس في صقل أعضائها، وإكسابهم خبرة متميزة تجعل منهم قوة متميزة، أكثر قدرة على خدمة الوطن، وأكثر قدرة على خدمة الشعب والأمة، وعند ذلك سوف يحصلون على الثقة المطلوبة التي تؤهلهم لحمل المسؤولية.
وبناءً على القاعدة السابقة يجب أن تشتق كل جهة معياراً لنجاحها من خلال قدرتها على تحقيق النسبة الأعلى في إيجاد الإنسان الفاعل المنتج، صاحب الحضور المطلوب في كل مواقع الانتاج والعمل، وعندما تعجز هذه الجهات المعنية عن تحقيق نسبة النجاح المطلوبة على هذا الصعيد، فإننا سنحصد ثماراً مرّة وفشلاً ذريعاً على كل الصعد والمستويات.
ولذلك فإن وزارة التربية والتعليم، في الدول المتقدمة تحظى بموازنة كبيرة تتفوق على كل القطاعات الأخرى، وأصبح مقدار موازنة التعليم في الموازنة العامة من حيث النسبة يشكل معياراً مهماً من معايير ترتيب الدولة على مقياس التنمية البشرية عموماً، بالإضافة إلى مجموعة معايير أخرى، ويمكن اشتقاق هذا المعيار بالطريقة نفسها للأحزاب والجماعات والقوى السياسية والاجتماعية، إذ يجب أن تكون البوصلة تؤشر بهذا الاتجاه على الدوام وبشكل مستمر لا يتوقف، فهناك مجموعة أسئلة تطرح نفسها صباحاً ومساءً وفي كل موقف، فهل نحن نتقدم في اكتساب المنهج العلمي بالتفكير على صعيد جماعي، وهل تزيد نسبة الاتجاه العلمي في التفكير لدى الأجيال بشكل مطرد، هل هناك زيادة ملحوظة في منسوب الانتماء الصحيح للوطن الذي يظهر أثره في الحرص على المال العام، وتقديم المصلحة العامة على المصلحة الفردية، وهل هناك زيادة ملحوظة في نسبة السلوك المتحضر في قيادة السيارات على الطرقات، وفي الاصطفاف المنظم على طوابير المعاملات وشراء الحاجيات، وهل هناك تقدم ملحوظ في زيادة منسوب التسامح في التعامل مع الآخر، وهل هناك مؤشرات على زيادة نسبة الاحترام المتبادل بين الأفراد، وهل الأجيال تكتسب مزيداً من التمسك بقيم بر الوالدين، واحترام الكبار والعطف على الصغار وذوي الحاجات، وهل هناك تقدم ملحوظ لدى الأجيال بالتعامل الرقيق مع المرافق العامة وأقل ميلاً إلى التخريب والعبث.
هل هناك زيادة ملحوظة في تقدم الانتاج لدى الجيل الجديد، ويضعف الاتجاه نحو الميول الاستهلاكية بوجه عام، وهل هناك تقدم في اكتساب القدرة على الاستثمار في الإمكانات المتاحة، وزيادة نسبة التطوير والإبداع في إيجاد الحلول وتقليل المشاكل والتغلب على العوائق.
هل هناك اتجاه متزايد نحو الحفاظ على الغابات، واحترام قدسيتها، وهل هناك زيادة ملحوظة في حسن النظافة على الصعيد الفردي والعام، في الشارع والمؤسسة والبيت.
لدينا مئات الأسئلة التي يجب أن تتحول إلى استبيانات يومية دائمة في البيوت والمدارس والمؤسسات والأحزاب والجماعات، والحكومات والوزارات والمعاهد والجامعات، وأن نصدق أنفسنا بالإجابة والتقويم، من أجل العثور على بارقة أمل أننا نسير في الطريق القويم نحو الحياة وليس في طريق آخر.

(الدستور 2015-02-01)