ماذا لو حَكَمَ «الإئتلاف».. سوريا؟
في الانباء.. ان فخامة رئيس ائتلاف اسطنبول (تركي الجنسية) الدكتور خالد خوجة أصدر «قراراً» بحلّ المكتب «الرئاسي» لمكتب القاهرة و»الاستغناء» عن خدمات اعضاء في الائتلاف، جريمتهم «الوحيدة» انهم «وقعّوا» على بيان القاهرة الذي اصدرته قوى مُعارِضة سورية، لم يكن ائتلاف اسطنبول شريكاً فيها، ما يعني ان هؤلاء «الموظفين» تجاوزوا التراتبية «الثورية» وارتكبوا جريمة الخروج على رأي الرئاسة ومكتبها السياسي، ولم يَعُد لهم مكان في «الثورة» وعليهم تحمّل تبعات هذا الخروج السافر عن أيديولوجية الائتلاف، وخصوصاً برنامجه الثوري، الرامي الى بناء الديمقراطية والتعددية في سوريا الجديدة وإشاعة الحريات العامة، وصولاً الى قيام دولة مدنية على أساس مبدأ المواطنة، تحفظ حقوق الانسان وبخاصة حرية الرأي والتعبير والضمير وتحول دون تجويع الناس او اضطهادهم او قمعهم او التنكيل بهم واذلالهم فقط لانهم تبنّوا رأياً مخالفاً، ما بالك ان «الائتلاف» كما يُعبّرِ عن نفسه (كذباً وادعاءً بالطبع)، هو اطار جامع لقوى وشخصيات وتنظيمات التقت على اهداف محددة وتحالفات آنية تستهدف «إسقاط» النظام القائم الان وبناء نظام جديد.
هذا بالطبع إذا صرفنا النظر (كيف يمكن للمرء أن يصرف نظره؟) عن كيفية استيلاد هذا الائتلاف وطرق تمويله وطبيعة المهمة التي أنيطت به وعدد العواصم الاقليمية والدولية التي بسطت رعايتها (اقرأ هيمنتها) عليه وحددت له سُبل تحركه وتوقيت إطلالاته وجدول أعماله ومواعيد اجتماعاته وانتخاباته التي لا تزيد عن كونها صراعاً بين اجنحة وعواصم وتيارات، لا يدفع ثمنها سوى الشعب السوري الذي بات اسير المنافي ومخيمات اللجوء، وطريداً في اعالي البحار على سفن وعبّارات متهالكة تسيّرها عصابات دولية ومافيات لا همّ لها سوى الحصول على اموال المهاجرين الى المجهول.
ليس لإئتلاف اسطنبول من يواسيه في «عزلته»، فهو لم يذهب الى مؤتمر القاهرة في الثاني والعشرين من الشهر الماضي، بعد ان فشل في فرض رأيه على باقي معارضات الداخل والخارج على حد سواء، نظراً لغطرسة قادته أو «دُماه» واستكبارهم وغرورهم، الذين ظنوا او قل صدّقوا كذبتهم الكبرى بأنهم «الممثل الشرعي» للشعب السوري وانهم بالتالي «أكبر» قوى المعارضة, ما يعني أن على الاخرين ان يرضخوا لقراءاتهم وتحليلاتهم وأن يلتزموا برنامجهم الذي يُكتب في انقرة بعد مراجعة اولي الامر والراسخين في علم الاستخبارات وحياكة المؤامرات وشراء الذمم والاشخاص وتمويل الارهاب ومنح العمولات وتلميع النكرات.
لم يفزع المعارضون الذين التقوا في القاهرة بل تناقشوا وتحاوروا.. اتفقوا واختلفوا وعلت اصوات بعضهم فيما غيرهم اصيب بالصدمة وآخرون تلبستهم الحيرة والدهشة ونسبة لا بأس بها منهم، نضجت واستوعبت حجم الحرب «العالمية» التي تُشّن على سوريا بهدف تدميرها وشطبها من الجغرافيا السياسية وتحويلها الى محمية لهذه العاصمة الامبريالية أو تلك الاقليمية التابعة, فطرحوا اراء عقلانية ودعوا الى حوار سوري سوري داخل سوريا نفسها، ينقذ ما تبقى من سوريا وفي الاساس يحول دون هدم الدولة وتقسيمها.. فكان بيانهم الشهير بنقاطه العشر التي رأى «موظفو» مكتب القاهرة الرئاسي لائتلاف خالد خوجة أنها متوائمة مع ارائهم واختاروا التوقيع عليه، فاذا بسيف «الفصل» والتنكيل والتجويع يطالهم وبقرار غاضب من فخامة الرئيس «الوسيم» الذي جيء به بأوامر تركية كون انقرة تنظر اليه كمواطن تركي له كل حقوق الاتراك..
حال الائتلاف ذاتها القائمة على النرجسية والغرور بل والعدمية، لم تختلف إزاء «منتدى موسكو» الذي قاطعه الائتلاف، لأن القائمين على المنتدى لم يمنحوا إئتلاف اسطنبول وخصوصاً رئيسه, المكانة التي «تليق» به كنجم وثائر وقائد «مُنْتَخْب», فيما الاخرون مجرد ارقام وعناوين فقط, بل إن منهم مَنْ لا يمكن وصفه بالمعارضة لأنه «دمية» في يد النظام السوري وصنيعة له, ولهذا قالوا لموسكو انهم لن يحضروا المنتدى او يحاوروا النظام، إلا إذا جاء الاخير مُنصاعاً ومُنفِذّاً لمقررات جنيف «واحد» ومُوقِعاً على قيام حكومة انتقالية كاملة الصلاحيات.
ألا يحق للسوريين – وغيرهم – ان يتساءلوا الان وبعد ثلاث سنوات على استيلاد هذا المسخ المعارض المسمى (الائتلاف)، ماذا لو حكمت كل هذه الدمى التي تقوده سوريا؟ وماذا لو ظهر من بين صفوف الشعب السوري، معارضة ديمقراطية وسلمية تناضل من اجل استلام السلطة وتداولها سلمياً؟ ألن تعلق المشانق ويجري ذبح كل من يقول عن نفسه «مُعارِض» على طريقة داعش أو كما فعل «ثوار» سوريا قبل ظهور هذا الوحش المسمّى.. داعش؟
(الرأي 2015-02-02)