ولاية المجتمعات على الثقافة
يمكن تقدير متوالية من الخلل والأضرار عندما تكون الثقافة مؤسسة حكومية، أو أن تقدم الحكومة دعما مباشرا للثقافة والمثقفين...
1 - لا تعود الثقافة، بكل أوعيتها وتجلياتها (قصة، ورواية وشعر ودراما، وفنون تشكيلية ونحت، وموسيقى وفلكلور ومسرح، وتصميم وديكور، وأسلوب حياة..)، تعكس وعي المجتمع لذاته، وعلاقته بموارده وحياته وبالعالم، ولكنها تعكس تخطيطا حكوميا، حتى وإن كان حسن النية، فإنه يتحول إلى عمل معتسف ومعزول، ويحول المجتمعات إلى متلق سلبي للثقافة لا يتحمس لها، ولا يعود شريكا حقيقيا منتجا لها.
2 - تفرض الحكومة على الثقافة، في حالات كثيرة، دخلاء وفاشلين ومتطفلين، يقدمون الضوضاء باعتبارها موسيقى، والخرابيش والجمل غير المفيدة باعتبارها قصائد ولوحات فنية، وكتبا وأعمالا ثقافية وإبداعية ضعيفة أو عديمة القيمة والجدوى.
3 - تتحول المؤسسات والبرامج الثقافية والإعلامية إلى عمليات حشد وتضليل وتنفيع، وتكايا ومأوى لجماعات وشلل موصوفة بالثقافة. وتتحول هذه الى عالة على المجتمعات والمؤسسات وأموال الضرائب، والمنح والمساعدات الخارجية.
4 - تواجه الثقافة بالعزوف والإعراض. وهذا يزيدها مع الدعم بلاء؛ فيصبح شرطا للأعمال الثقافية الفاشلة أو الوهمية المتلقية للدعم، ألا يقبل عليها أحد، حتى يمرر الوهم الموصوف بأنه ثقافة، ويمتص المساعدات الحكومية والدولية من دون أن يلاحظ ذلك أحد.
5 - تتحول الجمعيات والمؤسسات الثقافية للعمل لصالح أقلية معادية للمجتمع والثقافة. وهناك أمثلة كثيرة لمؤسسات ثقافية وفنية وتطوعية وعامة، تحولت إلى مؤسسات سياحية ترفيهية لأقلية أو فئة محددة من الناس، لا يعرف عنها، ولا يستفيد منها المواطنون والمجتمعات بعامة.
6 - يلتبس النصب والاحتيال بالثقافة، ولا يعود الناس يميزون الفن الجميل والإبداع والثقافة الراقية والملائمة، وتتراجع الذائقة العامة للناس، وتنحسر الثقافة الشعبية إن لم تنقرض.
الحلّ، بالطبع، هو أن يتولى الشأن الثقافي المجتمع بنفسه؛ من خلال البلديات والجمعيات والمنظمات الثقافية والنوادي والأحياء والأهالي. وينشئ المجتمع شراكة مع الحكومة والشركات والمؤسسات الدولية المانحة.
وبالطبع، أيضا، ثمة حاجة ضرورية إلى دور حكومي في الثقافة، ليس فقط من خلال وزارة الثقافة، وإنما كذلك من خلال الجامعات ووزارة التربية والتعليم (المدارس)، والإذاعة والتلفزيون، والقوات المسلحة، لتنظم وتنسق وتراقب الأداء الثقافي وتشجعه وتتواصل معه؛ ولكن ليس باعتبارها منتجة للثقافة إلا في مجالات محددة، مثل تعليم الثقافة والفنون في المدارس والمجتمعات، أو مؤسسات مركزية ثقافية وفنية عامة.
ومن الممكن، بالطبع، أن تصاب الثقافة بالوهن والخواء في غياب دور مجتمعي وثقافة وذائقة مجتمعية، ولكن لا مفر من تمكين المجتمعات والارتقاء بقدراتها.
(الغد 2015-02-02)