تغير المواقف بتغير المواقع

إن أبرز ما عُرفت به إداراتنا العليا في عقودها الأخيرة أمران؛ غياب التخطيط وتغيّر المواقف بتغيّر المواقع، إن التخطيط الاستراتيجي المكتمل الشرائط والأركان في كل ما هو رسمي وأهلي هو أسّ النجاح والإشارة الدالّة على رجاحة العقل وحسن التدبير.
إن الفرق بين مَن يسير وفق خطة مرسومة ومَن يسير خبط عشواء كمن يسير في اتجاه واحد أو يسير في كل الاتجاهات في آن واحد. فالأول يقطع مسافات ويحقق أهدافاً وإنجازات، والآخر يبذل جهوداً مضنية لكنه يدور حول نفسه ولا يغادر موقعه.
إن الناظر في أحوالنا منذ سنوات يدرك دون عناء أننا نسير دون خطط أو خطط عرجاء ندور بها حول أنفسنا ولا نجني إلاّ مزيداً من العثرات والضنك وضيق العيش. وبدلاً من أن نطوّع الظروف والأحوال والمستجدات بالتخطيط السليم والتدبير الحسن فإننا نترك للظروف والأحوال والمفاجآت تحكم سيرنا وتوجّه مسيرتنا ونحن أمامها كريشة طائرة أمام رياح عاصفة لا تدري أين المستقرّ وكيف المصير، تشريعاً وتنفيذاً.
ففي مجال التشريع لا نسمع إلاّ قوانين معدّلة ومتسارعة يتلو بعضها بعضاً، تتزاحم في أروقة المجالس وعلى أبواب اللّجان بعضها لم يمضِ من عمره عام أو بضعة شهور وبعضها يتضمّن توصية بإلغائه أو تعديله حتى قبل البدء بتشغيله. كل ذلك بحجة مصلحة المواطن التي لا دخل لها فيه وإنما المصلحة للجهات الضاغطة. ويزداد المواطن مع كل قانون شقاءً وتتعمّق تعاسته.
وترى لدى جهات التنفيذ عجباً، فنحن نسمع منذ عقود عن مصادر طاقة بديلة، عديدة ونافعة منها الصخر الزيتي وحقول نفط وغاز تعد امتداداً طبيعياً وحتمياً لبحور النفط والغاز من حولنا. فتتضارب الأقوال وتتناقض التصريحات وتتغير المواقف بتغير المواقع ورغم مرور وقت طويل إلاّ أن الأمر لم يحسم بعد، بل هو معلّق لحسابات الداخل والخارج. فأهل الاختصاص يقدّرون هذه الثروات بالمليارات وأهل القرار يؤكّدون أن الأمر مجرد طيف خيال وأمنيات. وتسارع القيادات العليا إلى الحل الأمثل والأسرع والأسهل لتصحيح عجز الموازنات والاستجابة لما تفرضه الجهات المانحة من قرارات واشتراطات، فلا يجدوا إلاّ جيب المواطن الغلبان الذي لا حول له ولا قوة ولا غطاء باعتباره أضعف الحلقات، برفع الأسعار وإعادة النظر بكل الفواتير وأدوات الجباية، وتحت طائلة المسؤولية وقوانين الأموال الأميرية والتهديد بالغرامات والعقوبات، فتزداد همومه وتتكاثف غيومه فينصاع للأمر راغماً فيبدأ بالبحث أو التفتيش عما بقي من شيء يباع في أركان بيته فلا يجد إلاّ واحداً من أبنائه يعرضه بالمزاد إن وجد المشتري قبل أن يعرض هو نفسه للبيع أو الانتحار.
(السبيل 2015-02-04)